طالما رأينا السياسي مفتياً ،ورأينا المفتي سياسياً ، و طالما اقترن السياسي بالديني والديني بالسياسي لا لفهم في الدين ولا لفهم في السياسة ، هي ليست علمانية ولكن ليس في كل امور السياسة ندخل الدين لنبرر السياسة بحيث لو اكتشفنا أن هناك خطاً في السياسة لا نكتشف أن هناك خطأ في الدين والتدين خاصة لو برر السياسي رأيه بالكثير من الآيات والأحاديث ... شيء جميل ان يكون هناك خطاب سياسي يعبر عن رؤية السياسي للأمور السياسية باعتبار التخصص وعن طريق التحليل المنطقي للأمور التي أنتجت هذا التحليل أو ذاك، والشيءالأجمل ان يكون هناك خطاب ديني توعوي يعرف الناس أمور دينهم وحقيقة نهجهم ويعمل على تنويرهم به .
ليقل الديني رأيه السياسي لكن بعيداً عن الهالة الدينية أو العباية الدينية التي يرتديها .. وليعطي الناس تصوره للسياسة وكيف يمكن ان تسير الأمور وفق هذه الرؤية التي يراها وإن أكدها بإستشهاد من هنا او هناك لكن عليه أن لا يقول للناس أن هذه هي رؤية الدين للموضوع السياسي الذي يضعه هو تحت النقاش ، وأن لا يستخدم أحترام الناس له كي يتم تحريكهم كالأغنام وراء فكرة هو يتبناها في سبيل الحصول على رغبة سياسية او في سبيل إحراز نصر سياسي على الساحة ، كما أن عليه أن يدرك أن السياسة ساحة فسيحة وأفكار لا حدود لها وإدخال الفتوى الدينية فيها لصالح أحد أطراف لا يخدم الدين ولا الوطن ولا الوحدة الوطنية ولا الصالح العام ..
أنا شخصياً احترم رأي عالم الدين في السياسة ولكني على الأطلاق لا أتبعه كما أتبعه في الفتوى الدينية إلا ما اتفق مع رأيي السياسي ووجهة نظري السياسية ، الموضوع يحتاج كثيرا من التفكير والأنية في الحكم عليه ، لك أن تلاحظ معي أن السياسي عندما يلبس عباية دينية والديني عندما يكون سياسي مباشرة يتحول السياسي الديني الديني السياسي إلى رجل عنيف غليظ وأنا اقصد ما أقول خاصة من انغمس منهم في السياسة حتى صار يرى أن مهمته تغيير هذ العالم عن طريق ممارسة السياسة وبأداة الدين وهنا تصل الخطورة ذروتها...
تنظيم القاعدة مثلاً ينتقد الآن من قبل رجال دين كبار يحترمهم هذا العالم العريض ويؤمن بفتواهم وقد انطلق من رؤية دينية بحته لكنه دخل في مجال السياسة وهي ليست له ولا يفهمها أصلاً وليس لديه خبراء سياسيين يستطيعون أن يستخدموا السياسة لخدمة الدين وليس الدين لخدمة السياسة .فلجأ إلى العنف وإلى القتل الغير مبرر أحياناً وهو تيار رجعي متخلف لا يحسب له إلا مقاومة الإحتلال في أفغانستان والعراق ويحسب عليه الكثير من عمليات القتل العشوائي والهدم للمساكن ومحاولة فرض الفكر الجهادي بطريقته والخطف الغير مبرر وهو في نظر كثيرين لا يقل خطراً عن هذه الحكومات الخاوية والتي تحكم بالحديد والنار .
إن من يشحن بالدين خاصة في فترة متقدمة من عمرة ثم يقرر المشاركة السياسية مع هذه الشحنة والتي تكون في الغالب ليست عن فهم بسبب المرحلة العمرية التي يمر بها والتي لا تتناسب مع ذلكم الخطاب الديني يجد عجباً في الممارسة السياسية وعجباً في الخطاب الديني والذي يشرح النصوص بدون فقة للواقع أو السياسة ، يجد أن القوة هي الغالبة في السياسة على لغة الرحمة والعطف ، وأن لغة المصلحة هي الغالبة على لغة الحب والإخاء والتسامح ، وهنا يحدث تناقض شديد داخل نفسية هذا الفرد المشحون بتلكم الطاقة الدينية المنبثقة من عدم وعي من مدرسته ومنه ككيان متلقي دون استخدام العقل فيتحول فجئه من كائن بشري إلى أسد ضاري وذلك من اجل تغيير هذا النهج والذي هو فوق مستوى طاقات الدول والمهتمين والخبراء والمدركين لحقائق السياسة ودور المتدين في دعمها وتحولها فما بالك بفرد مشحون بافكار يريد أن يراها في عالم السياسة واقعاً في ظل هذا الظرف الدولي المتأزم ، وعندما لا يستطيع التغيير كما قلنا يلجأ إلى العنف لتفريغ تلكم الشحنة وهو معذور ، وما أن ينغمس في السياسة مبتعداً قليلاً عن الأقبية التي كان يدرس فيها هذا الفكر حتى يجد نفسه تحول إلى كيان آخر يحمل فكراً آخر إما يساعد في إصلاحه أو في الخلاص منه ( انتحاره) .
إن الفهم الخاطئ للدين الإسلامي هو من يجعل من السياسي غبياً ومن المتدين أكثر غباءً وإن ممارسة المتدين بشكل غير واعي للسياسة هو من يجعل من الدين تطرفاً وإرهاباً ، وهو عيب كبير في الفهم وليس في التشريع الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور وعلمنا القراءة قبل الصدح بما نؤمن به .
إن على الحركات الإسلامية في العالم العربي أن تدرك جميعها أنه للمفتي أن يفتي في زواج فرند أو الحجاب أو زواج الصغيرات أو مشاركة المرأة في الانتخابات فهذا شأنه لكن عليها ان تدرب وتربي وتعلم من أبناءها من يكونوا ذووا تخصصات سياسية يدركون من امور السياسة ما يجعلهم عصيين على الدخول في أزمات ما أكثر ما جرنا إليها المفتين ورواد الخطاب الأجوف .