نعى أمين جامعة الدول العربية عملية السلام المزعومة بين العرب والعدو الصهيوني، فور انتهاء الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، السبت الماضي، في الوقت الذي لم يتوقف فيه العدوان الصهيوني على لبنان، وعلى قطاع غزة براً وبحراً وجواً. وكان ذلك النعي هو أقصى ما تمكن فيه السيد عمرو موسى من التعبير به عن الوضع المهترئ للنظام الرسمي العربي. لم يكن الشارع العربي في أية لحظة من تاريخ الأمة المعاصر، ينتظر شيئاً إيجابياً من الجامعة العربية، التي تتكون من تناقضات مفردات النظام العربي في ما بينها، مع ملاحظة الهيمنة النسبية على اجتماعاتها، سواء على مستوى القمة أو على المستويات الوزارية بكافة تخصصاتها، من قبل الدول النفطية منقادة وراء نظام آل سعود الذي تأسس في بدايات القرن الماضي بإرادة استعمارية بريطانية وأمريكية، وساعدت الأموال الصهيونية على تمويله، قبل أن يتدفق النفط من تحت الرمال. فوزراء الخارجية العرب لم يدخلوا الى الاجتماع إلا وقد سبقتهم إليه تصريحات رسمية صادرة من بعض الأنظمة التي ارتهنت أوطانها للمستعمر، وكبلت شعوبها بسلسلة حلقاتها، مكونة من قوانين الطوارئ والإجراءات القهرية والتعسفية.. تلك التصريحات التي لاتكون غريبة على سامعيها اذا ما عرفوا بخلفيات تشكل الأنظمة السياسية المصدرة لها، سواءً كانت سعودية أو مصرية (مباركية) أو أردنية، أو حتى ما صدر من هذيان غير مسؤول من قبل رئيس الحكومة اللبنانية »فؤاد السنيورة«، الى جانب المفردات اللفظية المخجلة التي يتفوه بها رموز سلطة »محمود عباس« في رام الله، مما يوحي بتشكل كتلة في إطار النظام الرسمي العربي، كل همها هو سرعة الإفراج عن الأسرى الصهاينة مجاناً، وإدانة المبادأة التي قامت بها كل من المقاومة الوطنية في لبنان والمقاومة الإسلامية في فلسطين، والتي حركت المياه الراكدة، والتي لم يكن يتحرك في أعماقها بشكل مستمر غير العدو الصهيوني المحتل للأرض العربية، والمعتقل أكثر من اثني عشر ألف مواطن فلسطينيولبناني وعربي، والذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويحاصر الفلسطينيين الأحياء بدون ذنب اقترفوه سوى أنهم مارسوا حقهم الديمقراطي، وأدلوا بأصواتهم لحركة حماس، بعد أن فشلت حركة فتح في تحقيق وعود لم يعطها البيت الأبيض حق تحقيقها منذ التوقيع على اتفاقيات الاستسلام للعدو الصهيوني وللنظام العالمي الأعرج. إذن، كان حرياً ب»عمرو موسى« أن ينعي الجامعة العربية، بدلاً من أن ينعي شيئاً وهمياً ممثلاً ب»عملية السلام« التي ما كان لها أن تموت، وهي لم تولد البتة. فالشعب العربي، وشعوب العالم قاطبة، يعرفون أن ما هو قائم منذ توقيع المقبور »أنور السادات« على اتفاقية كامب ديفيد، لايعدو عن كونه استسلام الأنظمة الرسمية المتخاذلة المتجاهلة للإرادة الشعبية المقاومة. وإذا كان ثمة غرابة من الموقف المتخاذل الصادر عن مفردات تلك الكتلة المتخاذلة، فذلك ناجم عما لم يعهده بسطاء الشارع العربي من النظام السعودي، الذي عبر بشكل سافر عن إرادة وسياسة الولاياتالمتحدة والعدو الصهيوني الجارية في المنطقة، وجاءت المفردات اللفظية التي صدرت عنه رسمياً متطابقة تماماً مع الخطاب الغربي والصهيوني، مع بعض المواربات اللفظية المخادعة للإنسان العربي البسيط. هذا السفور الفاضح نعتقد أن مهندسي العقلية العولمية الاستعمارية هم الذين أذنوا بإخراجه بعد فترة طويلة من العمل المضني لإعادة تشكيل العقلية العربية لتقبل مثل هذا السفور في الخيانة لله وللأمة العربية. مع أن الأسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، منذ خمسينيات القرن الماضي، كانت ولاتزال حتى الآن تجاهد بأموال شعبها وبأبنائها وأبناء الشعوب العربية والأفريقية والآسيوية الفقراء، في سبيل الولاياتالمتحدة، في اليمن والجزائر والسودان، وكذلك في أفغانستان في كل مراحل الحرب الأفغانية منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، وفي البلقان، وحتى في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. كما دعمت بالموارد المالية النفطية الاقتصادات الأمريكية والأوروبية، وفي كل المراحل الركودية التي تعرضت لها تلك الاقتصادات، فضلاً عن دعمها المادي للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا اللاتينية. إن الموقف الرسمي العربي، الذي تقوده شعلة نفط الخليج العربي، إزاء ما يجري اليوم في فلسطينولبنان، إنما يدعم الأهداف الأمريكية والصهيونية الراهنة، وهي اضطلاع الآلية العسكرية الصهيونية بنزع سلاح حزب الله تمهيداً لتفكيكه نهائياً، وجر سوريا الى مواجهة تمهيداً للقضاء على النظام السياسي في دمشق، واستخلاف عملاء سوريين، مثلما حدث في العراق، تنفيذاً لسيناريو إعادة ترتيب المنطقة وفقاً لمقتضيات الانتشار الفعلي للامبراطورية الأمريكية، بعد أن تصبح إيران لقمة سائغة يبلعها الغول الأمريكي بسهولة، ويقترب بآليته العسكرية للقضاء على أي تهديد للمطامع الأمريكية، أو يعيد التوازن القطبي الدولي، سواءً ذلك التهديد المتوقع من الصين، أو أي تكتل اقتصادي في شرق وجنوب شرق آسيا. الشارع العربي المستوعب والواعي لأساليب تعامل المجتمع الدولي والنظام الرسمي العربي مع قضايا الأمة العربية، لم تتزحزح قناعاته بأن السبيل الوحيد لاسترجاع الأرض، واستعادة كرامة الأمة هو الكفاح المسلح. وعلى الرغم من ضعف الأنظمة، فإن البلاء الحسن، الذي أبلته المقاومة الإسلامية في فلسطينولبنان، أعاد ثقة هذا الشارع بنفسه، وبات متأكداً أنه اذا أحسن الإعداد، وتجاوز الخلافات الفكرية والحواجز النفسية التي أنشأها نظامه الرسمي، قادر على أن يخوض معارك التحرير، تاركاً أنظمته الرسمية المتخاذلة خلفه، منشغلة في تزوير الانتخابات، ونهب المال العام، وتجميع الحروف لتكوين كلمات وجمل وعبارات بذيئة تطلقها عبر وسائل الإعلام الرسمية والحزبية، الأرضية والفضائية، على القوى الشعبية العربية الشريفة، الرافضة للذل والقهر، والمساندة معنوياً ومادياً لأبطال المقاومة في فلسطينولبنان. ولابد أن الأحداث الراهنة، قد أوصلت قيادات الشارع السياسي العربي الى قناعة راسخة بنبذ الخلافات الأيديولوجية، وتجميع الإمكانيات لإعادة ترتيب الأوراق باتجاه إيجاد أداة واحدة لإحداث تغيير سياسي شامل، إنقاذاً للأمة من حكامها الخونة، تمهيداً للجهاد في سبيل الله، وفي سبيل حرية الوطن العربي من المحيط الى الخليج. فإذا كان رافدان من روافد الأمة العربية، هما حزب الله في لبنان، وحركتا حماس والجهاد الفلسطينيتان، تمكنا من غرس الرعب المستديم في نفوس الصهاينة في أيام معدودة، وبعدة وعتاد بسيطين، واستطاعا بعون الله إسقاط أسطورة الجيش الذي لايهزم، فكيف اذا ما أعلن الشعب العربي كله الجهاد، ولو بدون أنظمته السياسية؟! الإجابة يمكن استنباطها من جملة مفيدة بثتها الفضائيات لأم الشهيد عادل عكاش، التي فقدت 31 بطلاً من أبنائها وأحفادها، والتي يمكن الاستعاضة بها عن كل البيانات، وتلغي كل الإدانات عندما قالت: »نحن جميعاً فداء للمقاومة«.