في الوقت الحاضر يجمع العلماء والباحثون على أن نشأة الأمن القومي يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحروب ، ثم أنشأ مجلس الأمن القومي الأمريكي في عام 1947 ، ومنذ ذلك التاريخ إنتشر إستخدام مصطلح ومفهوم الأمن القومي في أنحاء متفرقة من العالم هنا وهناك . وفي الواقع أن مصطلح ومفهوم الأمن القومي ذكر في القرأن الكريم في أوج صوره ومعانيه وذكر في السنة النبوية منذ ألاف السنين ، ووجد بإذن الله قبل الإسلام منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا أدم عليه السلام أب البشر وأولهم وأمنا حواء عليها السلام . بسم الله الرحمن الرحيم )وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين ) صدق الله العظيم . يوضح الله، سبحانه وتعالى، في هاتين الآيتين، كيف أنه بعد أنّ خلق آدم (عليه السلام)، وهبه حاجاته البشرية. فأسكنه الجنة، ومعه زوجته، وبها مأكله، وحذّرهما من الخطأ. فلما أزلهما الشيطان، عصيا ربهما، فأخرجهما من المسكن الآمن (الجنة)، وأمرهما بالهبوط إلى مكان غير آمن (الأرض)، وجعل من ذريتهما أعداء لبعضهم بعضاً، كما جعل في الأرض مستقراً (بقاء ودواماً) ومتاعاً (مطالب وأطماعاً دنيوية)، إلى أن تقوم الساعة. وتفسر قصة خلق آدم، عليه السلام، ثم هبوطه إلى لأرض، المفهوم البسيط للأمن: فهو مكان يؤوي الإنسان، وزوجه تؤنسه، ومأكله ومشربه. وفي الأرض، على الإنسان أن يسعى لتحقيق أمنه بالحصول على تلك الحاجات، وأن يدفع عنه من سينازعونه فيها من أعداء، هم من بني الإنسان كذلك (فهم يحاولون تحقيق أمنهم الخاص، أيضاً، من وجهة نظرهم). ومن يحصل على تلك الحاجات الأولية، يحقق أولى درجات الأمن، بالاستقرار. ثم عليه أن يسعى لتحقيق درجات أخرى من الأمن، بالسعي للاستحواذ على متطلبات أخرى ليست ضرورية، ولكنها زيادة في متاع الدنيا. وتلك هي سنة الحياة الجارية في الكون، إلى أن تقوم الساعة. فالأمن تعبير، يدل على حالة نفسية يوجد عليها الكائن الحيّ، عندما يشبع حاجاته، التي تختلف باختلاف الكائن الحي نفسه. وهي عند الإنسان ما يشعر به نحو حاجيات، بالحصول عليها تُستكمل مطالبه من الاستقرار. وهذه الحاجيات تختلف من إنسان لآخر، ومن مكان لآخر. فهناك من يبحث عن المأوى ))وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ)). ليحقق أمنه الأولي، ومنهم من يطلب الطعام )) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)).. وإذا تحقق لدى الإنسان المأوى والمأكل، فإن الأمن يتحقق باستقرار الرزق الأمن ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ العامل النفسي ومتطلبات الإنسان إلى الأمن كما أن الإسلام أكد على العامل النفسي ومتطلبات وحاجة الإنسان إلى الأمن لأنّ حاجة الإنسان إلى الأمن مرتبطة بدوافعه الغريزية (الطبيعية). وتصل حالته النفسية إلى درجة من درجات الاطمئنان، عندما يحقق مطالبه الغريزية لذلك، وقد وفّر الله سبحانه وتعالى تلك المتطلبات الأساسية، لآدم في الجنة ))إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى.)) وبين ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .وهو ما يؤكد هنا على حتمية ان المطالب الانسانية ليست مطالب النفس البشرية، هي الغرائز الأوليةفحسب (الهواء والماء والأكل والشرب والتناسل) بل هناك العديد من مطالب النفس البشرية الاخرى التي يحتاج الإنسان إلى إشباعها ، وذلك طبقاً لأولويات حددتها الغريزة ، وهي الدافع الذي يحرك السلوك الإنساني، لينتهج الإنسان سلوكاً خاصاً للحفاظ على حياته وأسرته وممتلكاته. كما أن سلوك الإنسان أصبح كذلك يتدرج من إشباع حاجات أساسية إلى إشباع حاجات ثانوية، إلى مطالب تحقيق الذات، إلى مطالب رفاهية. ثم تعلو الدرجات التي يتنقل فيها السلوك الإنساني، من مطالب فردية ذاتية، إلى مطالب جماعية تحتاجها الأسرة والجماعة، فالقبيلة، فالقرية ، فالمدينة ، فالدولة ، حتى يصبح الشعور بالآمن جماعياً أيضا ، وهنا يتمثل الأمن القومي للدولة على الصعيد الداخلي والصعيد الإقليمي والدولي . وليست حاجات الإنسان كلها مادية ملموسة ( كالمأكل والمشرب والمأوى ) فبعضها نفسي معنوي، لإشباع الأحاسيس الغريزية، التي خلق الله الإنسان بها (حب، تآلف، استئناس، زهو، تفاخر ألخ ) وكما يرتب الإنسان حاجاته المادية بالفطرة ، فإنه أيضاً يرتب حاجاته المعنوية . بل أن الحاجات المعنوية في مجمل مجموعاتها تعقب الحاجات المادية في مجموعاتها ، بمعنى أن الإنسان عندما يشبع ويسكن ، يبحث عن الحب والألفة ، وعندما يعمل ويطمئن على رزقه ، يبحث عن التقدير والانتماء والرضا ، وهو ما أوضحه علماء ومختصين علم النفس وعلماء الأمن القومي خلال أبحاثهم وفي نظرياتهم الأمنية . * قطاع غزة – خانيونس/ فلسطين [email protected]