لم يكن كتاب "العودة إلى مكة" للصهيوني دينيس أفي ليبكين إلا كِشّافاً صغيراً يُظهر من جوف الظلام ما تخبّئه العقلية التلمودية من أطماعٍ لا تعرف للحدود معنى، ولا للأرض حرمة، ولا للدين حرزاً ولا ذمّة. كتابٌ يكاد يُترجم ما في صدورهم من حقد على الإسلام وأهله، وما يخطّونه في خرائطهم من وهم الدولة المزعومة:"إسرائيل الكبرى". وفي خطابه الأخير، أشار السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي "يحفظه الله" إلى خطورة هذا المشروع، مؤكداً أن اليهود الصهاينة لا يوقّرون أحداً، حتى المطبعين معهم الذين ظنوا أن ابتسامات نتنياهو وكيري ستضمن لهم أماناً، فإذا بهم في حسابات الصهاينة مجرد أوراقٍ محترقة، تُلقى في سلة المهملات حين ينتهي دورها. المطبعون والمقاومون سواء عندهم: جميع العرب والمسلمين أهدافٌ مؤجلة، تتقدّم فلسطين لتُتبعها مكةوالمدينة، ثم تمتد الأفعى لتلتف حول العراق والشام ومصر. أي حلم هذا؟ أي جنونٍ يجعلهم يظنون أن شمس مكة ستشرق يوماً على أعمدة "الهيكل الثالث"؟ وأي خرافة تجعلهم يتوهمون أن زمزم ستتحوّل مورداً لأحلامهم التوراتية؟ إنها الصهيونية يا سادة، تتجلى في أقذر صورها: طموح لا يقف عند حدود فلسطين، بل يتعداها ليبتلع الحرمين الشريفين، والقدس ومعها مكةوالمدينة، وليجعل من الجزيرة العربية محيطاً يتسع لعرشٍ غارق في الخرافات والأساطير. والكتاب، وإن بدا للبعض مجرد أطروحة، فهو في الحقيقة وثيقة اعتراف بنواياهم، وخارطة طريق لعدوانهم القادم. السيد القائد أوجز الحقيقة ببلاغة: اليهود الصهاينة لا يحترمون أحداً. وها نحن نرى: من مدّ لهم يده سقط في حضيض الذل، ومن باع لهم أرضه ذاق مرارة الخيانة، ومن رهن سيادته على أعتاب البيت الأبيض صار عبداً ذليلاً في بلاط تل أبيب. ومع ذلك، يظن بعض العرب أن التطبيع صكّ غفران، أو أن الابتسامات في المؤتمرات الدولية كافية لدرء الخطر. ألا يعلمون أن اليهود كتبوا أطماعهم صراحة؟ ألا يرون أن الخرائط التي يتداولونها تشمل نصف أوطاننا؟ ألم يقرؤوا قول الله عن اليهود: { أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُوا عَهدا نَّبَذَهُ فَرِيق مِّنهُم} صدق الله العظيم. فكيف يهنأون على آرائكهم وهم يعرفون أن القادم أعظم؟ التاريخ يُعيد نفسه: كما أُخرجت القبائل اليهودية من يثرب بعد فسادهم وخيانتهم، ها هم اليوم يخططون للعودة إليها تحت لافتة "الحق التاريخي"، وبتسهيل خونة الأمة والإسلام. وكما حاولوا في الماضي السيطرة على التجارة والحج، يحلمون اليوم بأن تتحوّل الكعبة إلى مركزٍ لملكهم المزعوم. وكما باع المنافقون أسرار المدينة في العهد النبوي، يبيع اليوم المطبعون أسرار الأمة للصهاينة جهاراً نهاراً. إن المعركة لم تعد فلسطين وحدها. إنها معركة المصير العربي والإسلامي كلّه. من غزة إلى مكة، ومن القدس إلى صنعاء، ومن بغداد إلى القاهرة، الخطر واحد، والعدو واحد، والمشروع واحد. لكن، هنا بيت القصيد: إنهم مهما خطّطوا ورسموا، سيبقون يصطدمون بحاجزٍ من إيمانٍ صلب، وعقيدة لا تلين. من ظن أن مكة تُؤخذ بوهم في كتاب محرف أو خريطة مرسومة بالوهم والخيال فقد جهل حقائق التاريخ، فالأمة الإسلامية مهما طال سباتها إلا أن الرهان عليها في تحطيم كبرياء اليهود الصهاينة ولكم في اليمن خير عبرة وبرهان، فعندما تتوفر القيادة المسؤولة والمؤمنة فإنها من تصنع التحولات وتضع المعدلات وترسم الحدود وتحدد المسارات وتفرض القرارات. الصهيونية قد تُخيف المطبعين، وقد تُرعب الضعفاء، لكنها لا تساوي عند المؤمنين الأحرار إلا زوبعة في فنجان. ولئن كانوا قد رسموا أطماعهم في كتاب "العودة إلى مكة"، فإننا نعرف مصيرهم المحتوم الذي رسمه الله تعالى في القرآن الكريم وحتى في كتبهم وعلى ألسنة أنبيائهم، وإن مصيرهم: هزيمة مدوية، وانكسار أبدي، وزوالٌ محتوم. فالمعادلة التي لخّصها السيد القائد هي المفتاح: لن يحترموا أحداً، ولن توقفهم إلا القوة والإيمان والتحرك الجهادي على كل المستويات. هنا يُختصر الطريق، وهنا يُرسم المستقبل.