مهما ابتعدت بعض الأقلام وفي أحيان كثيرة عن عرض حقائق ما يجري على الواقع وبأمانة، فلم يكن ذلك البعد بدافع تضليل القارئ الكريم، ولكن احياناً تلك الأقلام تتحرك من تلقاء نفسها وبنوازع باطنية من حامليها تدعوهم لإخفاء بعض الوقائع التي قد تبرز ما يحاك من الخارج، وتخالف تطلعات حامليها، فيجدوا انفسهم ينقشون الجوانب المضئية والتي تخدم قضيتهم في المشهد ويسدلوا حجاب على الجوانب التي لا يتعاطفوا معها وقد تثبط الهمم، ورغم أن ذلك يخالف الأمانة الصحفية ومبدأ التعبير بموضوعية وشفافية خالصة، لكنه خارج الإرادة وقد يعزو بضبابية المشهد. ومع أن ماحدث في الايام الماضية قد وافقت التطلعات واستبشر الجنوبيون خيراً بسيطرة المجلس الانتقالي وإحكام قبضته على عدن وابين ولحج، ولكن وقوفه عند عتبة محافظة شبوة وتعثره في إلحاقها بالركب والذي بدوره عرقل إكمال مسيرته ومنع سيطرته على بقية المحافظات الجنوبية، أعاد التوجسات التي طالما حاول الكثير تجاهلها رغم إنها مستشفة من مجرى وقائع الاحداث الطويلة والتي تشير وتلوّح بوضوح إلى وجود مخطط محاك من الخارج لمشروع الدولة الاتحادية، وتم تمويهه بدثار الحرب النفسية وجر الشعب إلى مربع الفوضى الخلاقة تلك الاستراتيجية الامريكية التي تعتبر صورة محدّثة لسياسة فرق تسد التي انتهجها الاستعمار البريطاني قديماً، فتلك الفوضى الخلاقة التي بدأت بالحرب العبثية الطويلة والتي حمّلت الشعب متاعب جمة واحبطته نفسياً، كي تمهد لقيادته على طريق عصي ومن المستحيل قبول محطته الأخيرة، فالتفت على الحراك الجنوبي السلمي بمنحه حامل سياسي لقضيته العادلة وزجت به في صراعات محبطة ادخلته في نفق مسدود، لكي يتسنى بكل ذلك إلى تشتت ذهنه وزعزعة نفسيته، ثم زلزلة دعائم قناعاته لتوطد لقناعات جديدة، وبذلك يتم صياغة وتشكيل رؤى مختلفة، تسهل في نهاية المطاف للجمهور بالقبول وخوض الطريق الصعب إلى محطته الأخيرة، ولكن ما هو ذلك الطريق الصعب وما هي محطته الاخيرة؟ إنه وحسب المعطيات والشواهد، هو طريق تشكيل الدولة الاتحادية، ومحطته الاخيرة تقسيم الجنوب إلى اقليمين في الدولة الاتحادية اليمنية، والتي سعت المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني إلى تحديدها كحل للمشكلة اليمنية، ورفضها غالبية الشارع الجنوبي، وقد توضحت الصورة من خلال المتابعة الدقيقة للأحداث وبعين ثاقبة، فلو دققنا في الخطاب السياسي للشرعية والتي يبثه إعلام دول التحالف نجد في مضمونه عالقة الدولة الاتحادية وبشكل واضح، وكذلك الخطاب الإعلامي لدول التحالف دائماً ما يشير إلى نفس السياق، وكما أن هناك أمور قد تبدو عادية ولكن بالتمعن فيها تكتشف إنها غريبة وتخفي نوايا واهداف خفية، فعلى سبيل المثال القوة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالى والمدعومة من الإمارات لماذا لم يطلق عليها أسم واحد في جميع المحافظات الجنوبية بل سميت في عدن ولحج وابين بالحزام الأمني بينما شبوةوحضرموت والمهرة أطلق عليها اسم النخبة، أليس في هذا غرابة، بل يعكس صورة تقسيم الجنوب إلى إقليمين مشابه لما هو في تقسيم الدولة الاتحادية؟!، وايضاً موقف الأحداث الحالية اليوم وكيف أحكم المجلس الانتقالي سيطرته على بعض المحافظات الجنوبية حيث سارت احداثه في المحافظات الثلاث عدن ولحج وابين بسلاسة، بينما توقف أمام حاجز بوابة شبوةوحضرموت والمهرة والتي ممكن أن يستنبط من ذلك خلق حاجز نفسي وليس عسكري فقط، كي يصب في التهيئة للقبول والرضا بفكرة اقليم عدن واقليم حضرموت، ويوطد القناعة بهذا المشروع.