span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/صادق ناشر منذ الإعلان عن توقيع الاتفاق بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والمعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك وحلفاء وشركاء الطرفين لتشكيل لجنة الحوار الوطني في السابع عشر من شهر يوليو/تموز الماضي، والساحة تمور بالكثير من الجدل السياسي بين مؤيد للاتفاق والمعارض له، بل إن الجدل امتد ليمس جوهر الفكرة نفسها وليس فقط آليتها، وهي لجنة الحوار التي من المقرر أن تبدأ بعقد سلسلة من اللقاءات بين أعضائها المائتين، لوضع عناوين الحوار ومواعيد مناقشتها، قبل أن تخضع لنقاشات واسعة بين كافة أطراف الحياة السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ستلتحق بالسياسيين في الفترة المقبلة، تمتد لأشهر طويلة . ومن واقع الأحداث الدائرة اليوم يبدو أن طرفي المعادلة السياسية في البلاد لا يزالان يختلفان حول قضايا كثيرة، خاصة، أن الخلافات والتفسيرات للاتفاق الموقع بينهما اندلع منذ الساعات الأولى لما بعد التوقيع، ما جعل الكثير من المراقبين يعتقدون أن الحوار لن يكون سوى عبارة عن “حقنة مهدئة” للأزمة القائمة بفعل الضغوط الخارجية التي أرغمت الطرفين على التوقيع على الاتفاق، حتى لا يتحمل أي طرف رافض المسؤولية عن إيصال البلد إلى الأزمة التي يعاني منها اليوم . منذ تم التوقيع على محضر آلية استئناف الحوار بين الحزب الحاكم والمعارضة في السابع عشر من شهر يوليو/تموز الماضي وجدل يدور داخل الحزبين مفاده لماذا الاتفاق وما مضامينه، ولماذا تراجع الحزب الحاكم عن قراره بالمضي لوحده في التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة، المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من ابريل/نيسان العام المقبل، وهل كان ذلك استجابة لضغوط الخارج أم أنه قراءة لواقع أزمة تبدو في الأفق، ولماذا قبلت المعارضة بتوقيع الاتفاق رغم مواقفها الحادة تجاه الحزب الحاكم خلال الفترة الماضية، ثم ما هي مكاسب كل طرف من طرفي الأزمة، ولماذا استبعد بعض الأطراف السياسية من الاتفاق الجديد؟ لعل أكثر نقطة التقى حولها الطرفان تكمن في إيمانهما بأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات القائمة بينهما منذ سنوات، ولهذا وافق الطرفان على الجلوس إلى مائدة الحوار، وإن كانت هذه الموافقة ارتبطت بفعل ضغوط خارجية، بعدما تدخلت واشنطن والاتحاد الأوروبي وحكومات خليجية عدة لإقناع الطرفين بأهمية استئناف الحوار بينهما وعدم ترك الخلافات المستعصية بينهما من دون حلول . وفي حين شاع تفاؤل الشارع الشعبي بعد توقيع الاتفاق، خاصة في ظل الحديث الإيجابي الذي بدر من طرفي المعادلة السياسية أثناء التوقيع على الاتفاق في دار الرئاسة بحضور الرئيس علي عبدالله صالح، فإن موجة من التشاؤم سادت بعد تبادل الطرفين أسماء ممثليهما في لجنة الحوار بواقع 100 شخص لكل طرف، حيث خرج العديد من المدرجة أسماؤهم في قائمة المتحاورين، بخاصة من حصة المعارضة ليعلن مقاطعته للحوار ويطالب برقابة إقليمية وعربية ودولية عليه، ومن أبرزهم محمد سالم باسندوة، رئيس لجنة الحوار الوطنية، السفير السابق ومستشار الرئيس الحالي، الذي أكد عدم مشاركته في الحوار القائم لأسباب تتعلق بعدم جدية الحزب الحاكم في معالجة الأوضاع القائمة في البلاد. موقف باسندوة بني على اعتبار ان “الانتخابات تحتل المرتبة الأولى في اهتمام الحزب الحاكم وليس إيجاد حل للأزمات التي تعصف بالبلاد”، وهي قضية مفصلية في تفسير كل طرف للأزمة وعناوينها، يقول باسندوة : “لقد ازددت قناعة بعدم جدوى أي لقاء يُعقد بين اللقاء المشترك وشركائه وحزب المؤتمر الحاكم وحلفائه بعد أن سمعت ما قيل هذا اليوم من أن الانتخابات تحتل المرتبة الأولى في اهتمام الطرف الآخر، وليس الأزمات الطاحنة والمشكلات الراهنة التي تعصف بالوطن” . ويرى باسندوة أن “السلطة وحزبها الحاكم إنما يبحثان عن حلول لأزمتهما وليس عن حلول لأزمات الوطن ومشكلاته، ولما كان الأمر كذلك فإنني لم أعد مستعداً للمشاركة بأي لقاء يُعقد، لا بصفتي الشخصية ولا بصفتي رئيساً للجنة التحضيرية للحوار الوطني الشامل، ومع ذلك سأظل أدعو دوماً وباستمرار إلى مؤتمر حوار وطني شامل لا يستثنى منه أحد على أن تُطرح فيه كل الأزمات والمشكلات التي يرزح تحت وطأتها شعبنا وبلادنا” . وإذا كان هذا هو موقف رئيس لجنة الحوار الوطني فإن الأيام الماضية شهدت تحفظات للمتمردين الحوثيين الذين دخلوا على قائمة المعارضة كحركة سياسية لأول مرة في تأريخ الصراع بينهم والسلطات المركزية . تحفظات الحوثيين جاءت على لسان ممثلهم في قائمة المعارضة صالح هبرة، والذي أكد أن تحفظ حركته من المشاركة في لجنة الحوار الوطني جاء حتى يتم استجلاء وتوضيح مضمون ونصوص اتفاق فبراير/ شباط، الذي جاء في توقيع المحضر التمهيدي بين الحاكم والمعارضة على أنه مرجعية الحوار، فضلا عن موضع قضية صعدة في الحوار الوطني . أما حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، وهو خارج تشكيلة الطرفين، ولم يدخل في أي تجمع سياسي فإنه رفض الاتفاق من أساسه لأنه برأيه “يعالج قشور الأزمة لا جذورها”، لأن الهدف من الحوار “هو أن يشارك من خلاله الجميع في صياغة مستقبل الوطن، خاصة الأطراف ذات الصلة بالإشكالات الملتهبة”، مشيرا إلى أن “الحوار سيغدو حواراً عبثياً لا معنى له إن استثنى هؤلاء، أو لم يهيئ أسباب إشراكهم في وضع المعالجات لمشكلات الحاضر والوقاية من تجددها واتساع رقعتها مستقبلاً” . ويرى الحزب في بيان له أن “إصرار البعض على أنهما طرفا المعادلة السياسية إنما هو شمولية مطورة، وحصر قرار آليات اللجنة وما يتفرع عنها في طرفي “القسمة” - وليس المعادلة- أمر يعمق الانقسامات الوطنية ويجذر نزعات الاستئثار والتفرد والتمييز التي تسوق الوطن إلى الهاوية” . ويلخص الحزب رأيه في القضية بالقول إن “المحضر الموقع في 17يوليو احتفاء بالذكرى 32 لتولي الرئيس مقاليد الحكم، ليس جديداً في مضمونه بل هو مجرد تجديد لاتفاق فبراير الذي لا يزيد عن كونه آليات لتقاسم لجان التحضير للحوار وآليات لاتفاق تقاسم حزبي غير دستوري للجان الانتخابات ومخرجاتها تم قبل حوالي عام ونصف العام بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحوار، وهو بعيد عن أن يكون معالجة موضوعية للأزمات الكبيرة القائمة وقد تجاوزته الأحداث، ومجريات الساحة الوطنية، واستحقاقات إخراج الوطن من قمقم أزمته المركبة” . ورأى الحزب أن “محاولة إيجاد حلول لأزمات وطن من خلال اتفاقات حزبية وتقاسم حزبي هو تكريس للأزمات وتعجيل بانفلات الأوضاع، لأن جذور تلك الأزمات هي تلك الأنواع من الاتفاقات الحزبية التي تختزل الوطن في حزبين أو بضعة أحزاب” . لكن ماذا حقق كل طرف من الأطراف الموقعة على الاتفاق الأخير من مكاسب، إن كانت هناك مكاسب أخرى غير التسليم بمبدأ الحوار؟ يقول الكاتب والباحث أحمد عبدالغني إن “اتفاق فبراير كان ضرورة للحزب الحاكم، انتزع من خلاله شرعية الاستمرار لمدة سنتين عبر تعديل المادة الدستورية المتعلقة بمدة مجلس النواب، وبعد ذلك استطاع أن يراوغ أحزاب المعارضة في ما يخص تنفيذ البنود الأخرى المتعلقة بموضوع تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا، بالإضافة إلى موضوع التعديلات الدستورية المتعلقة بإصلاح النظام السياسي للدولة” . ويرى عبدالغني أن “الحزب الحاكم بدا وكأنه يريد الهروب من إجراء أية إصلاحات حقيقية حتى على طريقته هو، حيث كان بإمكانه استغلال قدراته السلطوية وأغلبيته النيابية الساحقة لتنفيذ أهم الوعود التي تضمنها البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، وبالتالي إحراج المعارضة أمام الرأي العام، لكن الحزب الحاكم اكتفى بالتمديد، واتجه لمواصلة معاركه الحربية في الميدان ومعاركه السياسية في وسائل الإعلام” . أما بالنسبة للمعارضة، فإنه يرى أنها “انشغلت بقضايا هي أشبه بالملهاة، ولم تستطع تشكيل حالة من المسارات الضاغطة القادرة على دفع الحزب الحاكم نحو تنفيذ بنود اتفاق فبراير بعد إقرار عملية التمديد مباشرة”، لكنه مع ذلك يرى أن اتفاق 17 يوليو2010 يمثل فرصة جديدة يستطيع من خلالها الطرفان إعادة ترتيب أوراقهما ولملمة جهودهما وفرز عناصر القوة السياسية التي يملكانها لإحداث حالة من الانفراج السياسي الدائم، وليس المؤقت، لأن ما يعانيه اليمن اليوم لم يعد قابلاً للتسويف والمراوغة والتأجيل” . span style=\"color: #800000\"موقف قادة الخارج وتوازياً مع حالة الجدل المثار في الداخل فإن جدلاً أكبر برز في الخارج، خاصة لدى قادة المعارضة البارزين، حيث جاءت أولى ردود الفعل من الرئيس السابق علي ناصر محمد الذي أعلن بعد ساعات قليلة من توقيع الاتفاق رفضه لمضامين الاتفاق، معتبراً أن الاتفاق ليس هو الذي تم التشاور حوله بينه وبين بعض قادة الخارج ولجنة الحوار الوطني برئاسة المستشار محمد سالم باسندوة والشيخ حميد الأحمر وأحزاب اللقاء المشترك طوال الأشهر القليلة الماضية، مؤكداً أن أحداً من قادة المعارضة في الداخل لم يتشاور معه قبل توقيع الاتفاق، ولهذا فإنه يرفضه . ثم جاء الموقف الأكثر حدة لرئيس الوزراء السابق المهندس حيدر أبوبكر العطاس، الذي وصف توقيع حزب المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك بأنه “التفاف غير خجول على بوادر النهوض الوطني الشعبي الشامل للتغيير وإعادة البناء” . واقترح العطاس على لجنة الحوار “القبول غير المشروط بالحوار المباشر وتحت رعاية وضمانة إقليمية وعربية ودولية تضمن استعادة الجنوبيين لدولتهم” . ويرفض العطاس مبدأ الحوار على أساس البقاء في حظيرة دولة الوحدة، ويرى أن الطريق الوحيدة لنجاة اليمنيين هو الحوار من أجل “فك الارتباط” بين الشمال والجنوب، واقترح ما أسماها “خريطة طريق مأمونة للبلاد” تعطي الجنوبيين دولتهم وتبقي على علاقات ودية مع إخوتهم في الشمال، وتطالب الخطة ب “الاعتراف الشجاع والصريح بأن الوحدة السلمية والطوعية التي أعلنت في 22 مايو/أيار 1990 بين شطري اليمن، انتهت بإعلان الحرب يوم 27 ابريل 1994 واستخدام القوة لحسم الخلافات السياسية التي رافقت الوحدة” . ويقول العطاس إن “اليمنيين لم يعد أمامهم اليوم من خيار، إن كانت الأهداف المعلنة حقاً سامية ونبيلة تضمر الخير للجميع وتقطع صلاتها بالشر الذي جسدته حرب ،94 وما تلاها من ممارسات أضرت بالجنوب أرضاً وإنساناً، وألحقت أذى بليغاً بوشائج الإخاء سوى السير بخريطة الطريق المأمونة” . ويبدو أن تحركات قادة الخارج بدأت تزعج صنعاء، بخاصة ما تسرب من معلومات تشير إلى قيام تحالفات جديدة في الخارج يمكنها أن تنسف جهود حوارات الداخل، إذ إن هذه التحالفات ترافقت مع تحركات في الداخل بدأت تتنصل من الاتفاقات الموقعة، وتجيء على إيقاع أزمات البلد المتفاقمة، سواء في الشمال حيث استمرار القتال بين المتمردين الحوثيين والقبائل الموالية للدولة، حيث خلق الحوثيون وضعاً جديداً تمثل في حضورهم القوي على المشهد العام أو في الجنوب، حيث تتزايد نبرة الانفصال في كافة مناطق الجنوب وتزداد العلاقة حدة مع المركز . فالسياق الدراماتيكي للمواجهات المسلحة التي شهدها عدد من مناطق حرف سفيان بعمران خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أبرزت بجلاء أن هذه المواجهات لم تكن في حقيقتها سوى حرب اضطرارية خاطفة شنها الحوثيون بهدف تثبيت مواقعهم الميدانية والسياسية على الخريطة الجديدة في البلاد . وقد استعاد الحوثيون في هذه الحرب حضورهم ومناطق نفوذهم في منطقة حرف سفيان، كما تمكنوا خلال الأشهر الخمسة المنصرمة التي أعقبت الإعلان عن انتهاء الحرب السادسة من إعادة تنظيم صفوفهم في صعدة التي تشهد، وبحسب روايات متطابقة لمصادر قبلية وشهود عيان من أهالي مناطق “منبه ومران والطلح” ظهوراً علنياً لمجاميع مسلحة من أتباع الحوثي في المواقع والمناطق التي سبق وأن أخليت من قبل الحوثيين عقب التوصل لاتفاق إنهاء الحرب السادسة في شهر فبراير/ شباط الماضي . وفيما انشغلت الحكومة اليمنية بملاحقة ناشطي قوى الحراك الجنوبي “وتمشيط القرى والوديان في صحراء مأرب الشاسعة بحثا عن عناصر تنظيم “القاعدة” والبحث عن صيغة توافقية لتسوية أزمتها المزمنة مع المعارضة وحلول مسكنة لازمتها الاقتصادية، انشغل الحوثيون بدورهم في استثمار خارطة الأزمات الحكومية المعقدة بتكريس أشهر الهدنة الطارئة في إعادة صياغة حضورهم وترتيب أوراقهم للظهور مجددا كجماعة مسلحة تمتلك معاقل نفوذ متعددة لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن مضارب قبيلة “العصيمات” بخمر، المعقل الرئيس لقبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية والتي باتت أكثر من أي وقت مضى، بخاصة بعد سقوط خطوط دفاع الشيخ صغير بن عزيز في حرف سفيان بمحافظة عمران، على مرمي حجر من مواجهة استحقاقات حربها المؤجلة مع جماعة “المكبرين”، وهو الاسم الشائع للحوثيين بصعدة، وهم الأقل عددا والأقوى عدة وعتادا، سواء بالاشتراك المباشر وبقوة وليس عبر تجنيد مجاميع مسلحة في ميليشيات الجيش الشعبي، أو بالتصدي وبشكل منفرد لنزعة التوسع الحوثية التي أضحت تهدد وبشكل غير مسبوق حدود ونفوذ القبيلة وقبلها حدود العاصمة وسيادة الدولة اليمنية نفسها .