القضية ليست فقط زراعات غريبة على الأرض المصرية التي اشتهرت بالقمح والقطن، لكنها أيضا صحة المصريين التي هددتها ولا تزال تهددها أمراض ما كانت تعرفها مصر، والسبب هو مايعرف ب"التطبيع الزراعي" مع إسرائيل، الذي يعترف به المسئولون أحيانا، ويتهربون من الاعتراف به أحيانا أخرى، ولكن تبقى الحقيقة التي باتت واضحة أنه واقع أكدته دراسات علمية، وقبل ذلك ما وصل إليه حال الزراعة المصرية. هذا التطبيع جاء كإحدى تبعات اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت بين مصر وإسرائيل قبل 30 عاما، وكان جزءا من سياسات وزير الزراعة المصري السابق د. يوسف والي الذي اعترف به صراحة، وقال في رسالة بعث بها لرئيس البرلمان المصري ردا على استجواب تقدم به نواب الإخوان بالبرلمان حول تعاون مصر الزراعي مع إسرائيل، أن التعاون الزراعي مع إسرائيل كان دائما في صالح مصر من خلال تبادل المعلومات العلمية في مجال زراعة الصحراء واستخدامات مياه الصرف الصحي في زراعات الغابات الخشبية. وأضاف في الرسالة التي نشرت تفاصيلها جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ 25 يونيو 2001، أن مصر بالتعاون الزراعي مع إسرائيل حصلت على أصناف مميزة من الفاكهة والخضر، كما استفادت من تجارب تطبيق نظم الري. هذا التصريح الواضح بوجود علاقات زراعية مع إسرائيل نفاه وبشدة أمين أباظة وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الحالي، وأكد في أكثر من تصريح صحفي عدم وجود أي تعاون بين مصر وإسرائيل في المجال الزراعي. وأوضح أن الحكومة لا تستعين بخبراء من إسرائيل في مجال الزراعة بمصر، ولكن هناك المشروع الإقليمي للتنمية الزراعية في منطقة الشرق الأوسط يتم في مجال البحوث والدراسات فقط بمنطقة غرب النوبارية بمشاركة 4 دول هي مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل. إسرائيل تعترف كلام أباظة ينفيه ما نشر على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية بتاريخ 23-3-2009، حيث أشار مقال نشر بالموقع إلى أوجه التعاون الزراعي بين إسرائيل ومصر، وكشف المقال عن اجتماع يعقد مرتين في العام ل"لجنة زراعية" مشتركة تقف منذ تأسيسها سنة 1981 وراء قيام مئات المشاريع الزراعية التي هدفت إلى تحسين المقدرات والخبرات الزراعية بشكل متواصل بين الدولتين. وأثمر هذا التعاون -وفق ما جاء بالمقال- عن إقامة عشرات المزارع المشتركة في مصر، وعقد عشرات الدورات المشتركة للتأهيل المهني ووصول الآلاف من المصريين العاملين في مجال الزراعة إلى إسرائيل للمشاركة في دورات استكمال زراعية، وعلى سبيل المثال شارك عام 2007 حوالي 200 مزارع مصري بدورات تأهيلية في إسرائيل في مواضيع مختلفة. ونفس الموقع نشر بعدها مقالا جاء فيه وصول عدد الخبراء المصريين الذي شاركوا عام 2008 في دورات بإسرائيل إلى 220 مصريا، كما تم عقد الاجتماع السنوي للجنة الزراعية الإسرائيلية المصرية المشتركة في أكتوبر 2008 بمشاركة مسئولين كبار من وزارتي الخارجية والزراعة في كلتا الدولتين، وتمّ خلال الاجتماع بلورة خطة للتعاون الثنائي خلال عام 2009، ودراسة الأوجه المختلفة للتعاون. اتفاقيات غير معلنة هذا الاعتراف الإسرائيلي لا يدع مجالا أمام المسئولين المصريين للإنكار، فالتعاون الزراعي بين مصر وإسرائيل، كما يقول الباحث إلهامي الميرغني، حقيقة يعلمها الجميع. وعن تضارب التصريحات بين المسئولين حول هذه الحقيقة أوضح الميرغني أنها محاولات للالتفاف حولها، وأضاف في تصريحات ل"إسلام أون لاين. نت" أن إسرائيل بدأت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عقد اتفاقيات غير معلنة مع وزارة الزراعة، وأخذت هذه الاتفاقيات ثلاثة أشكال، هي: 1-إرسال عدد كبير من الباحثين الزراعيين المصريين لإسرائيل بدعوى تبادل الخبراء، وعلى الجانب الآخر استعان عدد كبير من مراكز البحوث المصرية بخبراء إسرائيليين. 2-دعم مجموعة من السياسات المتعلقة بزراعة المحاصيل الاقتصادية بدلا من غير الاقتصادية وهو ما أثر بالسلب على الدورة الزراعية للتربة المصرية. 3-تصدير إسرائيل لبعض الأسمدة والمبيدات والبذور المهجنة والتي سببت مشكلات كبيرة للزراعة المصرية، ومثال ذلك سوس النخيل. المبيدات المسرطنة هذه الأشكال الثلاثة يؤكدها أيضا المهندس حسام رضا باحث زراعي وأمين عام اللجنة العربية لمقاومة التطبيع الزراعي والمائي. ويوضح رضا أن الاختراق الصهيوني بدأ مع المعونة الأمريكية حيث اشترطت المعونة مشاركة "إسرائيل" في مجال الزراعة بمصر، وزيادة عدد الخبراء "الإسرائيليين" العاملين في الشركات الأمريكية العاملة في مصر بمجال استصلاح الأراضي والإنتاج الحيواني. ومهد هذا الاختراق -بحسب رضا- إلى التطبيع الذي بدأ من خلال مشروع النوبارية، وهو مشروع صهيوني استهدفت إسرائيل منه أن تخطط لاستزراع 350 فدانا وتسكين 50 أسرة، وإنشاء كل ما تحتاجه هذه الأسر من مرافق. وقامت من خلاله بتعليم كل المرشدين الزراعيين وتدريبهم لديها لتتمكن من تعليمهم ما يدمر الزراعة المصرية، وروجت لاستخدام البذور والمبيدات الإسرائيلية من خلال هؤلاء المرشدين. وعملت إسرائيل على تسهيل الحصول عليها في مصر من خلال عديد من الشركات المصرية التي تتعامل مع وكالات إسرائيلية بمنطقتي شمال سيناء والإسماعيلية وأراضي شباب الخريجين بالنوبارية والفيوم وبني سويف. وبلغ عدد الشركات التي حصلت على توكيلات من شركات إسرائيلية في مصر أكثر من 6 شركات تحت رعاية وزارة الزراعة المصرية ومنها شركة "حزيرا" و"افريدوم". ويكشف رضا عن بعض المخالفات التي ارتكبت في هذا الصدد، منها عثور الوزارة بالفعل على تجار يوزعون مبيد "كاردريل" المسبب للأورام الخبيثة في الأوعية الدموية، ومبيد "تترا كلورفينوس" المسبب لأورام سرطانية بالكبد والغدة الدرقية، ومبيد "فلاتريسن" الذي يؤدي إلي أورام في الغدة النخامية، و"داي كلوفينيل" المسبب للأورام السرطانية في الكبد. هذا بخلاف التدريب الخاطئ المتعمد للمزارعين بهدف تدمير صحة المصريين، ويشير رضا إلى تدريب المزارعين على استخدام مبيدات يمتد مفعولها ل45 يوما مع الخضر والفاكهة، وهي مبيدات كانت تستخدم مع القطن، وأدى ذلك لانتقال المبيدات لجسم الإنسان وهو ما تسبب في زيادة نسبة السرطانات في الفترة الأخيرة. وفي الوقت الذي تحظر فيه مصر استخدام الهرمونات وفقا لقانون 590 لسنة 1984، يؤكد رضا أنها مستخدمة الآن وبكميات كبيرة في منطقة النوبارية بناء على ما تعلمه المزارعون في الدورات التدريبية التي حصلوا عليها بإسرائيل، حيث حاولوا أن يقنعوهم بما تحققه من نتائج إيجابية لشكل الثمرة في حجمها ولونها. تدمير الزراعة المصرية هذه المبيدات المسرطنة، هي جزء من مخطط مارسته إسرائيل جنبا إلى جنب مع مخطط آخر لتدمير المحاصيل الزراعية التي اشتهرت بها مصر. . وكشف المهندس الزراعي محسن هاشم مقرر اللجنة المصرية لمقاومة التطبيع الزراعي في دراسة له بعنوان" الاختراق الصهيوني للزراعة المصرية"، أن البطاطس -والتي تعد مصر من الدول المصدرة لها- نتيجة لاستيراد تقاوي من الكيان الصهيوني بواسطة اتحاد مصدري ومنتجي الحاصلات البستانية بديوان عام وزارة الزراعة المصرية، أصيبت بمرض العفن البني، مما أدى لرفضها في الأسواق الأوروبية. وشمل المخطط محصول القطن أيضا، وكشفت الدراسة عن أنه منذ بدء استيراد السلالات الصهيونية من القطن على مدى الأعوام العشرة الماضية تدهورت إنتاجية الفدان، وأدى ذلك إلى عمليات المحو الوراثي لسلالات الأقطان المصرية طويلة التيلة. وكان نتيجة ذلك، خروج مصر من الأسواق العالمية للقطن، واستطاعت أمريكا أن تستنبط من القطن المصري "ميت عفيفي" سلالة تسمى "البيما" وأنتجوا أقطانا شبيهة بالمصرية وغزوا بها الأسواق العالمية. ولم ينج القمح من المخطط، حيث كشفت الدراسة النقاب عن إقامة مزرعة إسرائيلية في منطقة شرق العوينات بمصر زرع بها أكثر من مائتي فدان من القمح الإسرائيلي، بإشراف معهد شيمون بيريز، واستخدم في الزراعة تقاوي إسرائيلية معاملة وراثيا لمحو سلالات القمح المصرية. هذا إلى جانب الضغوط التي تمارس على مصر للاهتمام بزراعة محاصيل الفاكهة بالأراضي المستصلحة على حساب محصول القمح، وهو جزء من مخطط صهيوني أمريكي لإبقاء مصر تابعة غذائيا لأمريكا وإسرائيل. حرب بيولوجية وكشف تقرير أعده مركز "جافي" للدراسات السياسية والإستراتيجية بجامعة تل أبيب عن جانب آخر من المخطط الإسرائيلي وهو تطوير نوع جديد من الفئران يحمل فيروس الطاعون ولديه قدرة عالية في التغذي على المحاصيل الزراعية ولديه سرعة غريبة في التناسل. وأوضح التقرير الذي أعده البروفيسور جاك إبراهام أن تطوير هذا النوع من الفئران جرى من خلال أبحاث أجرتها كلية العلوم بجامعة تل أبيب بالتعاون مع إدارة الأبحاث بوزارة الدفاع الإسرائيلية ويأتي ضمن مشروع سلاح بيولوجي متكامل معد منذ عام 2000م. وأشار إلى أن هذا المشروع الذي وضعت له ميزانية تقدر بحوالي مائتي مليون دولار وجرى تحت إشراف رئيس الأركان الإسرائيلي يحتوي على أكثر من 70 عنصرًا حيوانيًا وحشريًا يتنوع ما بين بق وقمل وثعابين وبعوض وذباب وماشية. ولفت التقرير - حسبما ذكر حسين عودة بجريدة المصريون الإلكترونية - إلى أن الهدف من تطوير هذه الفئران تدمير المشروع الزراعي المصري في توشكي والعوينات وبعض المحافظات المصرية التي تنتج محاصيل زراعية إستراتيجية كالقمح والأرز والطماطم والبطاطس. لكن فكرة إرسال الفئران إلى الأراضي المصرية- كما أشار التقرير- توقفت في أوائل 2006م لأسباب تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي ولأسباب سياسية، بعد أن شهدت العلاقات الإسرائيلية المصرية في هذه الفترة تحسنا ملحوظا وتطورت العلاقات التجارية بين الجانبين. غير أن معد التقرير ألمح إلى أن هذه الفئران ستدخل في الفترة القادمة ضمن منظومة تهدف إلى تدمير المحاصيل الزراعية لبعض دول الجوار، وأشار إلى الجنوب اللبناني وسوريا وبعض القطاعات الفلسطينية. وأكدت الدراسة أن الفئران التي تم تطويرها هي فئران كولومبية زنة الواحد منها يتراوح ما بين 450 جرامًا إلى 800 جرام. والمشروع شمل مائتي فأر ذكر وأنثى. نقلاً عن موقع الإسلام أونلاين