الانتهاكات التي تحصل كل يوم على الساحة الوطنية، ودخولها قواميس ومعاجم ضيقة لا ترقى إلا إلى الفراغ المأهول والجريمة المنظمة التي تنتشر بشكل مخيف باسم هذه الأحزاب وهذه الجماعات والميليشيات، والضحية فيها مواطن يمني أعزل ليس له ناقة ولا جمل في هذا الصراع المُدمي والمُميت. كل يوم نسمع قرقعة الرصاص وصوت القنابل والاشتباكات أكثر من انتظارنا لواقع الحوار الوطني، وما يمكن أن يفضي من نتائج تتمخض عنه نتائج لملامسة واقع الجُرح الوطني النازف. لطخات مُزينة بنجمة القبيلي وعلى صورته ألف صرخة لقتل كل من يختلف عنه بحُجة الاختلاف في الرأي أو في المذهب واللون أو الطائفة، ورياح مستعرة كل يوم ترتفع لغتها وتطغى على الأمل المريض، وتُشكل رواسب واحتقانات في الوسط السياسي والثقافي اليمني، وتتمتع بسرعة فائقة في عملية الفرز بمساعدة مُحركات البحث التي تتبع هذه الجبهة وهذا الحزب وهذه الجماعة، ناهيك عن المساحة النتنة التي وجدوها من النخب المثقفة والسياسية، والتي شجعتهم على مزيد من رفع صوتهم وقماءتهم المستعارة. شُرفتنا تتعرض للهدم، ومعبد الحزب يعلن إفلاسه الكُلي، وضيق أفقه، يُضاف إليه ارتفاع صوت الرصاص كلغة للتعايش لدى بعض الجماعات، نجيد التعامل معها، خاصة ونحن مُتمتعون بإجادة إزهاق الدم على امتداد الوطن، فتاريخنا الافتراضي موشم بالدم كيمنيين، وظاهرة حِمل السلاح التي ورثها الشعب عن مخلفات النظام السابق، أصبحت مُلازمة لطبيعة حياته اليومية. الحوار كقيمة إنسانية وما يحمله من ثقافة للمتحاورين، هو ما يمكن أن نرمي به كل ثُقلنا كيمنيين، ويجب أن نُضحي من أجل إنجاح الحوار ليس ردة فعل على واقعنا المأزوم فقط، بل كامتداد لبناء الإنسان اليمني خلال السنوات والعقود القادمة، إذ يجب أن نتمتع بنفس طويل في عملية تحريك المياه الراكدة والآسنة، نتحاور اليوم وغداً حتى نُحدد معالم القادم بشكل أفضل، ونرتقي ونصغي لبعض بأفضل الطُّرق الممكنة، ألا وهي الحوار. فالتحول المدني للقوى والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة، بغض النظر عن السبب لحِمل هذا السلاح، ودون أي مبرر، كل ذلك يتطلب منا كيمنيين قناعات ذاتية، إذ إن الأحزاب التي لها بعض حضور في الساحة اليمنية، كحزب الإصلاح وجماعة الحوثي، مطلوب منهم اليوم أكثر من أي وقت مضي، أن يبرهنوا لنا كيمنيين على ضرورة تحولهم وابتعادهم عن حالة الغوغاء والعِراك الذي يقودونه في ساحة الوطن المدموغ. نحن كيمنيين يجب أن نعي جيدا أننا لسنا في حاجة إلى البرهنة على أن أي طرف هو طريق الحق والصواب، والطرف الآخر هو طريق المسخ والظلام، فهذا مفهوم قاصر ولا يرقى إلا إلى مزيد من سفك الدم والقتل، ولسنا بحاجة اليوم إلى العودة إلى معركة صفين أو بدر أو أُحد أو الخندق، نحن محتاجون إلى وجود قناعات حقيقية لهذه الجماعات وهذه الأحزاب للتفكير بشكل حقيقي في بناء مستقبل الوطن المتعدد في الرأي المنضوي تحت القانون، والخاضع لبرامج مدنية حقيقية لا تدعو للتطرف والغلو، بل لبناء الثقة المفقودة وجسر من التسامح والالتقاء. أثبتت تجارب الشعوب الأخرى أن ثقافة بث الكراهية والعنف الطائفي لا تقود إلا لمزيد من التباعد والتشرذم والتقاسم على أحلام أوطانها، فالعراق اليوم ما زال يدفع ثمن أخطاء سياسييه الذين انجروا إلى مزيد من العمالة والارتزاق والانتصار لطوائفهم على حزب الوطن الواحد الحاضن لكل العراقيين، وفي هذا الإطار لا ننسى الشعوب التي قطعت شوطاً كبيراً في عملية الذوبان الجليدي للخلافات، والسمو بالإنسان الحضاري إلى قِمة مستوياتها، مثل ماليزيا وسنغافورة نمور آسيا، وتحول رجالها وسياسيوها إلى جنود حقيقيين لبناء وتطوير بنى الوطن الاقتصادية، ومضاهاة أعتى اقتصاديات العالم. الإصلاحيون والحوثيون كفصيلي مسخ طائفي، عليهم أن يراجعوا برامجهم الحقيقية، وأن يطرحوا مشروعهم المدني، ويترفعوا عن حالة الدفاع والهجوم على بعض، فالتراشق الإعلامي لن يقود إلا لمزيد من الفرقة، ومزيد من الدم والقتل، ونحن من يدفع ثمن أخطائكم الفادحة.