اعتبرت أمريكا الانهيار التراتبي الرشيق للاتحاد السوفيتي، ثم انحسار روسيا على عهد يلتسن بمثابة نصر نهائي للنموذج الأمريكي ، وقد باشرت تنفيذ سياسة «الفرصة السانحة» في كامل العمق المحيط بروسيا، ابتداءً من العراق وأفغانستان جنوباً، حيث السجال العسكري السياسي مازال مُستمراً، مروراً بيوغوسلافيا السابقة التي أعادت الولاياتالمتحدة ترتيبها وفق مرئياتها المُستفزة لروسيا «السلافية»، وحتى أوروبا الشرقية؛ حيث نالت رومانيا تقريباً واستيعاباً أطلسياً لمجرد كونها بلداً ينحدر من أُصول لغوية واثنية لاتينية !، وبالمقابل تم تقريب بولندا لأنها بلد ينتمي للكاثوليكية الدينية !، وفي هذين المستويين تناسى عرابو الاستقطاب أن الرومان أرثوذوكسيين دينياً كالروس، وأن بولندا سلافية أثنياً كالروس أيضاً، الأمر الذي يجعلنا نتيقّن من وجود رفض مؤكد للمناهج الأمريكية البراغماتية الانتقائية في العقلين الروماني والبولندي، وهي ذات المسألة التي تشمل كامل الإقليم الأوروبي الشرقي المعجون بشواهد الجغرافيا والتاريخ المفارق للمقاربات الاستنسابية اليمينية بشتى أشكالها. السياسة الأمريكية تجاه أوروبا الشرقية وبقدر استفزازها لروسيا كانت أيضاً تقض مضجع الحلفاء الأوروبيين الغربيين الذين لم يستوعبوا التسارع الإجرائي في الحماس الأمريكي لضم بلدان شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي من جهة، وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى ، فقد دأبت أوروبا الغربية على إخضاع الراغبين في الأنظام لقواعد المعايير الديمقراطية والحياتية الغربية، غير أن الإدارة الأمريكية كانت ترى عكس ذلك تماماً، وكان يهمها اجتذاب تلك البلدان إلى فلكها ولو على سحاب الأوروبيين الغربيين، وهو الأمر الذي يضع السياسة الأمريكية على محط مساءلة ونقد مؤكدين في العقل الجمعي الأوروبي بشرقه وغربه .