تعد مشكلة البطالة بين الشباب من الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة الشباب وتداعياتها في العديد من الدول العربية ومنها بلادنا, وهناك علاقة بين انتشار البطالة في صفوف الشباب وانتشار الفساد المالي والإداري في أجهزة ومؤسسات الدولة, فالبطالة تتفاقم في ظل استشراء الفساد المالي والإداري بشكل كبير؛ لأن الفساد المالي والإداري كما أشرت في عدة مقالات سابقة هو عدو التنمية الأول وسبب التخلف الاقتصادي للعديد من الدول والمجتمعات.ولهذا لن أركز في مقالتي هذه على الفساد بقدر التركيز على مشكلة البطالة كمشكلة اقتصادية واجتماعية تعاني منها بلادنا ومعظم الدول العربية بنسب متفاوتة وخاصة البطالة عند الشباب, وبالأخص الخريجين منهم. فالشهادة والتخرج هاجسان يسعى الشباب لتحقيقهما أملاً في مستقبل مشرق زاخر بالأماني والأحلام للانخراط في مؤسسات المجتمع المدني والبناء الفاعل للحضارة التي تمثل كل دولة بالإضافة إلى تحقيق الذات التي نعيش جميعا من اجل الوصول بها إلى مراتب عالية ومكانة أفضل. فالشاب الذي يقضي فترة دراسته في جد وكفاح من أجل التخرج قد يجد نفسه بعدها متسكعاً في الطرقات العامة أو المقاهي بانتظار فرصة العمل التي قد لا تأتي بعد أعوام يهيم خلالها الشاب على وجهه ويعيش حالات الفراغ التي تؤدي به إلى انحرافات عدة يحاسبه عليها القانون ومن ثم المجتمع. إضافة للفقر والعوز والمضي خلف سراب الغد والانتكاسات النفسية التي تؤدي أحيانا إلى الانتحار لدى بعض الشباب لشعورهم بالفشل وإحساسهم بعدم أهميتهم في المجتمع مما أدى بالكثيرين منهم إلى الهجرة والبحث عن فرص عمل خارج حدود البلاد. فانتظار التعيين من أهم المعضلات والصعوبات التي يمر بها الشاب, فقد ينتظر أعواما دون أن يحظى بفرصة عمل تخرجه من الضياع الذي وجد نفسه فيه.. وتعتبر نسب البطالة في صفوف الشباب العربي هي الأعلى عالمياً، وهي مرشحة للتصاعد في الكثير من الحالات. فالمعدل بالنسبة للدول العربية هو 25 % طبقاً لبيانات الأممالمتحدة، أما في بعض البلدان فهي تصل أحياناً إلى 40 %. والحقيقة أن حل مشكلة البطالة بين الشباب ليس مسؤولية جهة محددة في الدولة أو المجتمع لكنها مسؤولية جهات وأطراف متعددة في الدولة والمجتمع , تشمل المؤسسات الحكومية المختصة بالخدمة المدنية والاستثمار والصناعة والزراعة والسياحة ومؤسسات التعلم العالي والفني والتدريب المهني ومنظمات الأعمال في القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني والشباب أنفسهم. فالحكومة بمؤسساتها المختصة بتخطيط وتشغيل القوى العاملة والوزارات المختلفة يجب أن تلعب دوراً إيجابيا في حل مشكلة البطالة بين الشباب من خلال عدة أساليب وإجراءات أبرزها من جهة نظري: التخطيط الجيد والدقيق لاحتياجات مؤسسات ووحدات الجهاز الإداري في الدولة من القوى العاملة والتخصصات والمهارات المطلوبة والأعداد المطلوبة لكل مؤسسة وذلك خلال فترات قصيرة وطويلة الأجل. والإعلان بشفافية عن الدرجات الوظيفية المطلوب شغلها سنويا وتوزيعها بشكل مدروس على مختلف المؤسسات والوحدات الإدارية والاقتصادية, ثم اتخاذ السياسات والإجراءات الفعالة التي تضمن تعيين المستحقين لشغل هذه الدرجات وفق معايير التخصص والجدارة والمؤهلات العملية بعيدا عن الرشوة والوساطات والمحسوبية, مع بيان سياسات وإجراءات التعيين في الوظائف المختلفة بوحدات الجهاز الإداري في الدولة بكل شفافية ووضوح لمختلف المتقدمين لشغل هذه الوظائف, وإحالة كل من يثبت تورطه في التلاعب بهذه الدرجات الوظيفية من المسئولين والمختصين بأجهزة الدولة إلى القضاء لينال جزاءه العادل كأحد عناصر الفساد المالي والإداري. وتلعب مؤسسات التعليم العالي والتعليم الفني والتدريب المهني دوراً مهماً في حل مشكلة البطالة من خلال توفير برامج وتخصصات نوعية وأساليب حديثة ومتطورة في التعليم والتدريب بحيث يتمخض عن هذه المؤسسات مخرجات بشرية تتميز بالمهارات والمعارف المطلوبة في سوق العمل تواكب أحدث التطورات في مجال ممارسة الأعمال والمهام المتنوعة سواء في مؤسسات الدولة او منظمات الأعمال العامة والخاصة. وفي إطار المسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال في القطاع الخاص فإن على هذا القطاع أن يقوم بدور مهم وإيجابي في معالجة مشكلة البطالة من خلال استيعاب العديد من الخريجين من مختلف مؤسسات التعليم العالي للعمل في مختلف مصانع وإدارات منظمات القطاع الخاص, ويمكن لهذه المؤسسات إعادة تدريب وتأهيل هؤلاء الشباب إذا وجدت نقصا في مهاراتهم ومعارفهم العلمية والتطبيقية وفقا لما يلائم احتياجاتها بدلاً من تشغيل عمالة خارجية في إدارتها ومصانعها المختلفة. ويمكن لمؤسسات القطاع الخاص التعاون والتنسيق مع مؤسسات التعلم العالي من أجل تحسين جودة التعليم والتطبيق العملي للطلاب أثناء دراستهم من اجل تزويدهم بالمهارات العملية التي تمكنهم من مواكبة متطلبات منظمات الأعمال من الكوادر البشرية المتخصصة في مختلف المجالات. ويقع على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والتنظيمات السياسية دور مهم في هذا الجانب من خلال إسهامها بوضع البرامج والحلول المناسبة لتشغيل الشباب واستثمار طاقاتهم البشرية في تحقيق التنمية والتقدم والنهوض بالوطن بدلاً من استغلالهم في تحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة والتي قد تتعارض مع مصالح الوطن وأمنه واستقراره. وأخيراً يلعب الشباب أنفسهم دوراً مهما في معالجة مشكلة البطالة من خلال تركيز كل شاب على التفوق الدراسي في مختلف مراحل التعليم واختيار التخصص المناسب الذي يحتاجه المجتمع وسوق العمل في العصر الحديث والاهتمام بالقراءة والاطلاع على كل جديد في حقل التخصص العلمي لكل شاب والتنمية الذاتية لمهاراته في مجال تخصصه أو في مجال اللغات واستخدام أساليب ونظم تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بمجال تخصصه بدلا من قضاء معظم الوقت في اللهو واللعب وجلسات القات أو استخدام الانترنت فيما لا يعود على نفسه ومجتمعه بالفائدة. وهكذا نجد أن معالجة مشكلة البطالة تحتاج إلى توافر منظومة متكاملة من الاستراتيجيات والسياسات والإجراءات والجهود تقوم بها وتنفذها جهات وأطراف عديدة في المجتمع والدولة.