أختلف مع بعض التناولات التي عابت على الأخ محمد سالم باسندوة، رئيس الوزراء إقحامه فقرة في ختام كلمته أمام مؤتمر المانحين في الرياض مؤخراً، تتعلق هذه الفقره بالمخاطر التي يمكنها أن تتهدد اليمن والجوار الجغرافي الخليجي إذا ما استفحلت مشكلات اليمن الأمنية والاقتصادية, إذ إن من المهم تذكير الجميع دوماً بمخاطر هذه التهديدات، ليس على الداخل اليمني فحسب، وإنما على مستوى دول المنطقة ككل.. وذلك ليس من باب التلميح بهذه المخاطر وإنما بضرورة وأهمية بحث الجميع عن السبل الكفيلة لعدم تفاقم المشكلات وبالتالي محاصرتها, ومنها بالطبع التحديات المترتبة على انفلات الأوضاع وتأثيرها على أمن منطقة البحر الأحمر والعربي من جهة وإمكانية تحوّل الكثافة السكانية في اليمن إلى قنبلة موقوتة لاتقتصر شظاياها – كما أشرت – على الداخل وإنما يمتد تأثيرها إلى محيط المنطقة العربية والجوار الجغرافي ككل. ولعلي أدرك تماماً أن هذه الإضافة المهمة في خطاب دولة رئيس الوزراء لم تأت من فراغ أو أنها بنت لحظتها, وإنما هي في جوهر المشكلة اليمنية، بل إنها واحدة من التحديات الرئيسية أمام منظومة هذه الدول في هذه المنطقة التي يمكنها أن تهدد أمنها الاستراتيجي والقومي في آن واحد، ولذلك كانت أهمية هذه الإشارة في إطار الحديث عن دعم استقرار اليمن تمثلاً لمضامين المبادرة الخليجية الراعية للتسوية السياسية، إذ لايمكن القول الفصل لتنفيذ أجندة هذه التسوية مالم تكن هناك رؤية شاملة لمعالجة الجذور والمسببات الباعثة لتلك المشكلات.. وكما لايريد اليمنيون أن يكون بلدهم فاشلاً، كذلك فإن الاشقاء – وتحديداً في دول الخليج العربي – لايريدونه ايضاً كذلك، باعتبار أن أمن الخليج من أمن اليمن والعكس صحيح, وحتى لايكون نقطة توتر إضافية في المنطقة وإسفنجة لامتصاص العداوات والحروب المتفاقمة بصورة واضحة بين دول المنطقة. وكذلك يقدّر اليمنيون تقديراً عالياً مواقف الإخاء والدعم والمساندة للأشقاء في دول الخليج والاصدقاء من الدول المانحة الذين رعوا جميعاً التسوية السياسية وأمدوها بزاد من الدعم المادي واللوجستي فإن الرهان لازال قائماً على المزيد من هذه الجهود والمساعي لاستكمال تنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة، وذلك انطلاقاً من حاجة الجميع إلى أن يكون اليمن بلداً آمناً ومستقراً وفي أن يكون كذلك الحاضنة الأمنية والسد الذي يمنع مرور أية ثغرات في جدار الأمن الخليجي الذي تتربص به قوى إقليمية معروفة. وكما اكتوت الضفة الأخرى من البحر الاحمر بتداعيات الازمة الصومالية وذلك من خلال الهجرات المتلاحقة إلى شواطئنا أو من خلال ما ترتب على إقلاق أمن الملاحة في البحر الأحمر وهو الأمر الذي أدى إلى مخاطر انقطاع الإمدادات النفطية من الخليج إلى دول العالم. وبالتالي فإن الضرورة تقتضي بأن يحرص الجميع وفي مقدمتهم الأشقاء في الخليج على ألا تتكرر تجربة الصومال في اليمن المهدد فعلاً ما لم تستكمل ملامح التسوية وتأمين مناخات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي تجنيبه مغبة الوقوع في الفوضى.. لكل تلك الاعتبارات فإنني أرى موقف رئيس الوزراء أمام مؤتمر المانحين في الرياض أو حتى في مواقفه السابقة المعلنة تجاه التذكير بانعكاسات حالة التدهور الأمني في اليمن على محيطه الجغرافي وتحديداً على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي إنما هو موقف ناضج ومسئول في آن واحد يحرص على أن يكون أمن اليمن من أمن منظومة هذه الدول وبأن حشد الجهود الدبلوماسية والمادية لترسيخ الاستقرار في اليمن إنما هو – في حقيقة الامر - استثمار غير مباشر لسلامة أمن دول المنطقة.. ولا بأس هنا أن نعترف بصوت مرتفع بأن الخط الدفاعي والأمني لدول الخليج العربي إذا كان لايبدأ من أمن اليمن فإنه على الأقل يمر به وله تأثيره المباشر انطلاقاً من خارطة الجغرافيا المشتركة وحدودها المترابطة.. ومن الطبيعي أن يكون مثل هذ الخطاب الصريح والشفاف في تحديد الأشياء بمسمياتها ومكاشفة الاشقاء بما يعتمل على أرض الواقع من مخاطر وتحديات قد لايكون البعض على دراية بمثل هذا الواقع إلا أنها تمثل هاجساً مؤرقاً بالنسبة لرئيس الوزراء كما هو حال الكثير من اليمنيين.. كذلك فإنه همُّ يجب طرحه على طاولة النقاش مع الأشقاء في الخليج كلما سنحت الفرصة كذلك, إذ يكفي الفترات الطويلة المنصرمة والعلاقات الثنائية وهي ترتدي وشاح المجاملات (وتبويس اللحى) التي ورّثت – للأسف – طابوراً خامساً من المستفيدين والوكلاء الذين طوّعوا هذه العلاقات لحساباتهم ومآربهم الذاتية والنفعية وبمعزل عن المنافع والمصالح المتبادلة بين الشعوب وهي أقوى من أية اعتبارات.. إذن علينا المضي في هذا الخط دون الاحساس بالنقص أو التواضع، فليس من سبيل أمام الأشقاء لتعزيز العلاقات الثنائية وحماية المصالح الاستراتيجية فذلك أفضل لهم ولدولهم خاصة أن مايجمع دول المنطقة ليس محصوراً في التاريخ والجغرافيا والجوار والهوية الدينية والقومية وإنما يضاف إلى ذلك المصالح المشتركة التي قال عنها (ديجول) ذات مرة (ليست هناك صداقات دائمة بل مصالح دائمة) وهو ما نحتاجه دوماً من المسئولين في اليمن ودول الخليج على حد سواء!!