كل من يطالب بالحقوق ويسعى للإصلاح وترسيخ العدالة والدفاع عن المظلومين بالعمل أو القول في البلاد فهو إنسان يحمل ضميرا حيا وبطل يستحق غاية التقدير والإحترام، وسيسجل التاريخ أسمه وموقفه البطولي، وسيكون هذا الناشط - المضحي لتسود العدالة والحرية في المجتمع- بطلا ونبراسا ومحل الإفتخار من قبل المواطنين الأحرار الشرفاء الأبطال الذين يرمزون ويفتخرون ويستحضرون بشكل دائم دور النشطاء والحقوقيين والمعتقلين المظلومين، وبذلك فإن من يعمر الأرض ويطالب بالحقوق والإصلاح ومحاربة الفساد والفقر، وكل معتقل وسجين بسبب المطالبة بالإصلاح والتغيير والتعبير عن الرأي والدفاع عن المعتقلين في البلاد. يوجد في السعودية في كافة المناطق والفئات ومن الرجال والنساء أبطال يستحقون التقدير، وكما قلنا فكل من يرفض الظلم والفساد ويعمل للإصلاح والتغيير وأعمار الوطن من أي مدرسة فكرية أو دينية فهو بطل، ولكن أحاول من خلال هذا المقال التأكيد على دور شريحة من المواطنين وجودهم على هذه الأرض قديم جدا - قبل تأسيس الدولة السعودية بمئات السنين -، وتحتضن هذه الأرض رفات أجدادهم من مئات السنين، بالإضافة إلى دورهم في إعمار الأرض والوطن، وحبهم لوطنهم وللسلم والسلام يشهد به القريب والبعيد، شريحة تتعرض للهجوم والتهميش والتشكيك في وطنيتها وأصولها بين ألفينة والأخرى من قبل أعداء الحس الوطني وأعداء التعايش السلمي والتعددية، وأعداء العدالة والحرية، وأعداء الإنسانية والسلام. ونتيجة ما تشهده المنطقة وبلادنا من إثارة النعرات الطائفية البغيضة إلى مستويات مخيفة جدا غير مسبوقة تهدد النسيج الوطني وشعوب المنطقة. أحببت إعادة التأكيد على الموضوع من جديد للتوضيح وتقريب المسافات والعمل كفريق وطني واحد، في فترة زمنية إنكشف فيه دور المتشددين التكفيريين الذين يقسمون الناس ويعدمون من يختلف معهم بأبشع الطرق، وبعدما تحولت صناعة الكراهية والطائفية البغيضة والتفريق بين أفراد المجتمع على أساس فكري ومذهبي ومناطقي وقبلي وعرقي إلى لعبة بأيدي الأنظمة الحاكمة سياسة فرق تسد، وللأسف البعض يصدق ما يقال ضد الآخر بدون أن يبحث عن الحقيقة من مصادرها والتعرف على الآخر كما من خلاله لا من خلال من ينقل عنه. ولهذا سنسعى مرة أخرى لتسليط الضوء على هذه الشريحة الوطنية المخلصة الأبطال الذين يستحقون أعلى الأوسمة والتقدير والإهتمام لصمودهم الخارق أمام عنجهية وإستفزاز وهجوم المتشددين التكفيريين الدائم الذين يكفرونهم ويستخدمون جميع الأساليب للتأثير عليهم، بالإضافة إلى الحرمان من الحقوق وممارسة الحرية التعبدية والعقائدية؛ وللأسف الشديد أن أغلب المواطنين وكذلك من هم من نفس المدرسة والمذهب في العالم لا يعرفون أو لا يتفهمون حجم الويلات والتضييق والمنع والحرمان والظروف التي يتعرض لها شيعة السعودية، الأبطال الصامدون في وجه مدافع التكفيريين طوال هذه السنين الطويلة، وفي الحقيقة شيعة السعودية هم أبطال ولكنهم للأسف منسيون!. أتباع مدرسة أهل البيت (ع) في السعودية يشكلون أكبر كثافة سكانية من المواطنين الشيعة في دول الخليج، حيث أنهم يشكلون نحو 20 بالمئة من نسبة السكان في المملكة، وهم الأكثر صمودا وحراكا وقدرة وتنوعا في التعامل مع الواقع الصعب والتغلب على التحديات والتمسك بالعقيدة، رغم الكبت والتضييق والمنع والملاحقة والانغلاق الإعلامي وعدم توافر الحرية والتعددية والديمقراطية، وهم الأكثر عرضة للتمييز والاصطدام مع المدرسة السلفية المتشددة التي تجعل من الشيعة والتشيع العدو الأساسي لها، إذ يتعرضون لجميع أنواع الظلم والحرمان مذ عشرات السنين، فالكتاب الشيعي ممنوع، وبناء المساجد والحسينيات ممنوع، يجبرون على الدراسة حسب المنهج الدراسي الذي يكفر معتقدهم ويجبرون بحفظ ما يصنف بأنه إساءة لمذهبهم، ويتحملون جميع الحملات المسيئة التي تبث في وسائل الإعلام المشاهد والمسموع والمقروء، والإساءات في المساجد وعلى المنابر، وإصدار الفتاوى التكفيرية بحقهم، والتشكيك في إنتمائهم القومي والوطني وغير ذلك مما يشيب له شعر الرضيع، ومع كل ذلك صمدوا ولا يزالون لغاية اليوم صامدون لم يتنازلوا عن هويتهم المذهبية والمطالبة بحقوقهم الوطنية، فهم موجودون في جميع مدن وقرى المملكة يساهمون في خدمة الوطن والمواطنين بإخلاص في كل مكان وفي كل القطاعات المتاحة لاسيما أنه لا يزال لغاية اليوم قطاعات ومناصب ممنوع أن يصل إليها المواطن الشيعي في داخل الوطن وخارجه!. وقد ساهم الجو الطائفي في خدمة أجندة المتشددين الذين إستغلوا الدولة وإستغلوا المناصب بفرض أجندتهم بالإجبار والإكراه فقد تعرض الشيعة لمضايقات كبيرة طوال تاريخ سيطرة أصحاب التوجهات الدينية المتشددة التكفيرية في الدولة، وبسبب ذلك شهدت المنطقة هجرات متلاحقة للمواطنين إلى الخارج، ومع إندلاع الحروب في المنطقة التي لم تخل من إثارة النعرات الطائفية واللعب على الوتر الطائفي البغيض، ففي الحرب الأولى «إعتداء صدام على إيران» رُفع شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا ووقفت حكومات الخليج مع صدام في حربه فأصبح موقف الشيعة في المنطقة وبالخصوص في السعودية محرج جدا وتعرضوا نتيجة عدم دعم صدام في الحرب إلى التشكيك ودفع الشيعة الضريبة غاليا، وفي الحرب الثانية «غزو صدام للكويت» حاول صدام مغازلة الشيعة في السعودية بتأييده، ولكنهم رفضوا ورفضت المعارضة الشيعية التي كانت في الخارج. وصرح قادة المعارضة: نحن والدولة في خندق واحد بالدفاع عن تراب الوطن. وفي الحرب الثالثة «الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام الإجرامي» شهدت المنطقة إثارة النعرات الطائفية مع دخول وسائل إعلامية تحريضية للعب على البعد الطائفي وكادت تنتقل إلى خارج العراق لولا رحمة الله وتداعياتها لا تزال قائمة إلى اليوم. شيعة السعودية مواطنون مخلصون للوطن وعامل بناء يرفضون العنف والإرهاب من أي جهة - رغم ما يتعرضون له من مضايقات وحرمان -، ويتفاعلون ويقدمون المساعدة والدعم لجميع القضايا العادلة للعرب والمسلمين والبشرية، فهم بالتالي يستحقون كل تقدير إذ إستطاعوا التغلب على جميع التحديات والظروف الصعبة التي شهدتها المنطقة، وحافظوا على هويتهم وحافظوا على إستقلال قراراتهم الوطنية بدون الدخول في الأجندة الخارجية. شيعة السعودية لا يريدون من الآخرين التدخل في قضاياهم الخاصة الداخلية فهم جزء من الوطن، فيأملون أن يتاح لهم حسب حقهم الوطني بأن يكونوا شركاء في الوطن بشكل عملي، وعلى الحكومة أن تثق بهم، وعلى المواطنين في الوطن من جميع الأطياف أن يضعوا أيديهم بأيدي أخوتهم المواطنين الشيعة وغيرهم لبناء وطن واحد ينعم الجميع فيه بالحرية والعدالة والمساواة، وطن واحد يجمع التعددية المذهبية والفكرية. متى سيحصل كل مواطن على حقوقه ويتم الإفراج عن المعتقلين والنشطاء الأبطال، ويحصل بالتالي أفراد مدرسة أهل البيت (ع) - وباقي المدارس الأخرى الدينية والفكرية في السعودية - على حقوقهم وعلى الدعم من إخوانهم المواطنين، والعمل معا كيد واحدة لإعمار الوطن الغالي، وطن يمثل إرادة كافة المواطنين؟. علي آل غراش / كاتب وإعلامي – القطيف ثورة 14 فبراير البحرين