مَنْ يكتب عن الأدب المغاربي يجبُ عليه أنْ يتسلّحَ بالمعرفة الكافية عنه, و إلا سيتخطى حدودَ المباشرة ليصلَ إلى هاوية الترّهات. ما يعنيني هنا أني تعرفتُ على الأدب المغاربيّ من أفضل ِ الموارد له, أقصدُ كتابَ عبد الكبير الخطيبي:(الاسمُ العربيُّ الجريح) الذي فتحَ أمامي أبواباً كانتْ موصدة فيما سبق, لأدخلَ تاليا إلى الشعر المغربي , لأنّ مُترجِمَه إلى العربية شاعرٌ : (محمد بنيس). ما كان ينقصني (على المستوى الشخصي البحت) أنني كنتُ بحاجة إلى الدقة في الكتابة, فوجدتُ أنّ مَنْ يهديني إلى ما أبتغيه هو : (الأدب المغاربي) .(الاسمُ العربيُّ الجريح) لا يتناولُ الفكرَ بحسٍّ مباشر, بل يتناوله بكثير من العناية, حتى وإنْ كان موضوعُ عبد الكبير الخطيبي هامشيا (مثالا على ذلك : الوشم أو الخط) هذا العِلمُ الوشميُّ (الخطيُّ) لم يتناوله أحدٌ بالتحليل و التدقيق إلا الخطيبي . من هنا أتتْ مقدّمة ( رولان بارت) الذي تقاسمَ مع الخطيبي أشياءَ في منتهى المتناهي في الصغر . لكنها تعني جوهرَ الإبداع كما جاء في مقدمته للكتاب . هذا الكتابُ دلني إلى البحث عن محمد بنيس نفسه , دلني على كتابه : (حداثة السؤال) الكتاب النقدي الذي يتناول حداثة الشعر العربي بطريقة غير التي تدارسناها في النقد العربي , هذا إذا استثنينا (أدونيس).محمد بنيس عرّابُ الشعر و النقد المغاربي في كلِّ مكان . هكذا بدا لي . خاصة الملفات التي كانتْ مجلةُ (الكرمل) تخصصها للأدب المغربي . بنيس يحتلُّ الصدارة فيها. ليس من المُستغرَبِ أنْ يعرفَ المشرقيُّ الأدبَ المغاربيّ من خلال محمد بنيس , كأنه الصوتُ الوحيدُ الدّالُّ على الشعر و الفكر و النقد المغاربي , ربما لم يقرأ المشرقيُّ كتاباتِ (عبدالله العروي) إلا من خلال حوار بنيس معه, حين يعرفُ قرّاءُ المشرق أدبا مغربيا من خلال بنيس يعني أنّ التأثير سيُمارَسُ عليه , مهما تغاضى عنه , لأنّ بنيس بثقافته العربية الكلاسيكية و بتحليله لأيّ نصٍّ , من خلال تطبيقه لأحدث المناهج النقدية الفرنسية على النص المدروس يجعلُ الدارس له مأخوذاً به. عرفَ المشرقيُّ شاعرا مغربيا اسمه : (أبو القاسم الشابي) الذي يستظهرُ قصيدته أيُّ طالب سوريُّ في المرحلة الإعدادية. أعني قصيدته الأشهر (إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة). السنواتُ تقتحمُ الحياة , فبطريق الصدف الأدبية الجميلة أستدلّ على نصوص شعرية من خلال مجموعتين شعريتين لنوارة لحرش ( الجزائر) و فاطمة الزهراء بنيس (المغرب). كتبتُ عنهما, ما أريدُ أنْ أعنيه أنّ ثمة كلاسيكية تتحايلُ على النص الشعريّ المغاربي , ربما هذه الكلاسيكية الصلدة و العنيفة, واللذيذة تحدُّ النصوصَ المغاربية, و أحيانا تمتنعُ هذه الكلاسيكية المغادرة عن النصَّ المغاربي. الحصيلة: لم يمرّ يومٌ إلا وأقرأُ فيه نصاً مغاربياً .. شعراً أو قصة أو مقطعا فلسفيا, أو جزءاً من رواية أو نقدا أو مواكبة صحفية..