الثقافة تعني – التهذيب والصقل- إذ يقال ثقف الرمح أي قومه وسواه – والثقافة إصطلاحاً هي التطور في الأفكار والخصائص الذهنية والممارسة والسلوك وأساليب العيش والتعامل مع الآخرين. وبهذا الإصطلاح نستطيع أن نقول أن الثقافة تستند إلى كل ما تقوم عليه الحياة في المجتمع من عقيدة وقيم وفكر وأنماط سلوك, وهي أيضاً بذلك تعبر عن رغبة الإنسان في تغيير العالم المحيط به وسيطرته على الإمكانات المتاحة من حوله لكي يسخرها لبلوغ أغراضه وقضاء حاجاته الضرورية والكمالية.. ولو نظرنا الآن إلى ما هو حولنا وواقع في عالمنا لوجدنا أن المفهوم المعاصر للثقافة قد خضع لاعتبارات « ايديولوجيه»و « فلسفية» ففي الغرب مثلاً يعرفون الثقافة على أنها تراث « الانسانيات الاغريقية اللاتينية» بمعنى أن مشكلتها ذات علاقة وظيفية بالإنسان فالثقافة في رأيهم هي فلسفة الإنسان أما في البلدان الإشتراكية فهم يرون أنها ذات علاقة وظيفية بالجماعة فالثقافة عندهم هي فلسفة المجتمع. وإذا كان المفهوم الغربي للثقافة ينحصر في كونها مرة فكر الإنسان الفرد وإذا كان مفهوم الثقافة في المجتمعات الإشتراكية يجعلها – أي الثقافة- نتاج المجتمع ككل فإن الفكر الإسلامي قد اتخذ لنفسه مفهوماً واقعياً ووسطاً بأن جعل الثقافة والفكر الصالح ثمرة الإنسان والمجتمع معاً. والثقافة في أي مفهوم لا يمكن إلا أن تكون مرتبطة بالإنسان على إعتبار أنه قيمة مطلقة وكونه في ذات الوقت خلية في مجتمع وفرداً في جماعة وقد أكد ذلك الشاذلي القليبي في كتابه « الثقافة رهان حضاري» ومن قرأ ذلك الكتاب لاستطاع أن يقول إن الشاذلي القليبي يرى أن الثقافة نظرية في السلوك اكثر منها نظرية في المعرفة وهذا رأي نقدره ونقول: إذا الثقافة ليست كتاباً منشوراً أو إنتاجاً فكرياً يمكن فصله عن السلوك بل الثقافة محيط يشمل التقاليد والعادات والسلوكيات جميعاً لأفراد المجتمع كافة.. وبالتالي فإن سلوك الإنسان في مجتمع يختلف عنه في مجتمع آخر تبعاً لدرجة تحضر هذا المجتمع ونموه الثقافي ومن ثم فإن الثقافة ليست برجاً عالياً عاجياً يعزل فيه المثقفون عن المجتمع ولكنها تفاعل متصل بقضايا الحياة في المجتمع وتعبير عنه سواء في ايجابياته أو سلبياته..