بما أننا نعيش في شهر سبتمبر وهو الشهر الذي قامت فيه ثورتي 26 سبتمبر عام 1962م وثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م التي جاءت مصححة لمساركل ما قبلها من الثورات وبدأ المزايدون يتحدثون عن ثورة سبتمبر 62 وكأنها قد نقلت اليمن إلى الفضاء وحلت كل مشاكله وقضاياه ووفرت لليمنيين العيش الرغيد وكفتهم مؤنة السؤال بينما الحقيقة أنها جعلت نصف الشعب اليمني مشردا في الخارج بحثا عن لقمة العيش رغم مرور أكثر من ستة عقود على قيامها وهي فترة كافية لجعل اليمن الأول في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج وليس الأخير كما هو الحال الذي وصل إليه وعليه فقد استحسنت أن أعود لمقال كنت قد كتبته قبل عدة سنوات لأنه يعبر عن واقع حال ما أنجزته ثورة 26 سبتمبر التي بدأت مصرية وانتهت سعودية وفرطت في الأرض اليمنية ورهنت قرار اليمن السياسي للخارج مستشهدا بشهادات كبار من يعتبرون من ثوارها وحكموا اليمن في فترة سابقة . لقد جاء في مذكرات الأستاذ محسن العيني - رحمه الله - الذي سبق له أن شكل أربع حكومات في عهدي الرئيسين الأسبقين القاضي عبد الرحمن الإرياني والشهيد إبراهيم الحمدي رحمهما الله فيما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية في شمال الوطن سابقا بأن المواطن اليمني كان قبل قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م يعمل وينتج ويدفع للدولة لكن بعد الثورة أصبح المواطن لا يعمل ولا ينتج ويأخذ من الدولة هذه الجملة التي أوردها رئيس أربع حكومات شكلها في فترات مختلفة من تاريخ اليمن المعاصر وفي ظل النظام الجمهوري وقفت أمامها طويلا وهو ما جعلني أعود للتأمل فيما ورد في مذكرات قادة جمهوريين كبار كان لهم دورهم البارز في المشاركة في الحكم خلال العقود الماضية ويعتبرون أنفسهم من قادة الثورة والمدافعين عنها مثل القاضي عبد الرحمن الارياني والدكتور حسن مكي والشيخ سنان أبولحوم والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وعبد الغني مطهر وحسين المقدمي وحتى عبد الله جزيلان الذي أعطى إشارة البدء للضباط الأحرار من الكلية الحربية للقيام بتفجير الثورة والقضاء على الحكم الملكي والذي اعترف في مذكراته بأنه تمم بالتلفون لضابط المخابرات المصري محمد عبد الواحد الذي كان يشغل منصب القائم بأعمال السفارة المصرية في صنعاء آنذاك وأشعره بقيام الثورة قبل أن يبلغ أي قائد يمني مؤكدا أن محمد عبد الواحد أسقط كأس الويسكي من يده وهو يصعد في درج منزله من الفرحة . كل هؤلاء وجدت في مذكراتهم إجماعا على أن الأحداث التي شهدتها فترة ما بعد قيام الثورة وتحديدا بعد أن تسلم الإخوة المصريين زمام الأمور بحجة أنهم أتوا بجيشهم إلى اليمن للدفاع عن الثورة ومحاربة الرجعية السعودية وإسقاط عرشها في الرياض قد سلبت إرادة المواطن اليمني وجعلته تابعا لمن يدفع أكثر حتى لو كان ذلك على حساب وطنه وحريته واستقلاله وكانت الخمسة الأعوام التي قضاها الإخوة المصريين في اليمن قبل هزيمة مصر من إسرائيل عام 1967م قد شكلت المخاض الذي ولد أجيالا للارتماء في أحضان الغير بدليل أنه بعد انسحاب الجيش المصري من اليمن أرتمى الجمهوريون في أحضان الرجعية السعودية ونسوا كل تلك الشعارات البراقة التي كانوا يرفعونها والتي تمثل التقدمية ومحاربة الاستعمار والرجعية ونشر مبادئ القومية العربية وسلموها زمام الأمور في اليمن في مقابل ان تعترف بنظامهم الجمهوري الذي أصبح خاليا من المضمون حسب الشروط السعودية وتخلوا عن مبادئ الثورة الستة التي رفعها الثوار بعد قيامها مباشرة وظلت مصلوبة على الورق ولم ينفذ منها مبدأ واحد على ارض الواقع . من هنا نستطيع التأكيد بأن ثقافة الفيد والفساد قد عشعشت في رؤوس المسؤولين اليمنيين الذين أصبح مفهومهم للدولة يتلخص في شيئين اثنين لا ثالث لهما وهما: كم سيوظف المسؤول بعد تعيينه من أقاربه وأصحابه وكم سيربح من أموال بطرق غير مشروعة وهي ثقافة جعلت حتى المواطن العادي الذي ليس له علاقة بالوظيفة أو تحمل المسؤولية يعتقد أن المال العام للدولة حلال وجائز نهبه، وقد استغلت السعودية نقطة الضعف هذه في المسؤولين اليمنيين فأنشأت لهم ما يعرف باللجنة الخاصة بالرياض وضمنتهم كشوفاتها ووضعت لهم موازنات شهرية وسنوية لتصبح السعودية هي الحاكم الفعلي لليمن وهم فقط عبارة عن منفذين لأجنداتها ولا يقطعون أمرا إلا بموافقة مندوبها السامي في اليمن السفير السعودي الذي يتلقى هو الأخر التعليمات من السفير الأمريكي، وحين ضاقت الأرض اليمنية باليمنيين بما رحبت من هذه التصرفات التي أفقدتهم حريتهم واستقلالهم وصارت الملكية السعودية تقدمهم للعالم على أساس أن اليمن العظيم باني الحضارات وناصر الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ومحقق الفتوحات الإسلامية ومنبع العروبة هو عبارة عن مقاطعة تابعة لنظامها تفجرت ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م لتعيد للشعب اليمني وثورته وجمهوريته الاعتبار فقامت قيامة أمريكا والسعودية خوفا من فقد نفوذهما في اليمن فأنشأتا تحالفا عالميا تقوده السعودية في الظاهر وخلفه أمريكا وإسرائيل وبريطانيا من الباطن لشن عدوان بربري على اليمن وشعبه العظيم مضى عليه أكثر من عشرة أعوام وذلك بعد أن مهدت السعودية لعدوانها بحملة إعلامية شرسة أوحت من خلالها للبلهاء بأن إيران قد أصبحت هي التي تحكم اليمن وأن اليمن صار يشكل خطرا على دول المنطقة وعلى الأمن القومي العربي ليجد هذا الخطاب أذنا صاغية حتى في أروقة الجامعة العربية بفضل شراء الذمم والضمائر بالأموال السعودية والإماراتية المدنسة وهو نفس السيناريو الذي اتبعته الإدارة الأمريكية عندما قامت بغزو واحتلال أفغانستانوالعراق الأولى بحجة عدم تسليم أفغانستان لأسامة بن لادن المتهم بأنه وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م في نيويورك وواشنطن والثانية بحجة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل قادرة على أن تصل إلى بريطانيا خلال 48 دقيقة حسب تصريحات توني بلير رئيس وزراء بريطانيا حينها ثم يعترفون بعد الغزو والاحتلال بأنهم كانوا مخطئين حيث لم يستطيعوا إثبات أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل وترك ابن لادن يسرح ويمرح في أفغانستان أكثر من عشر سنوات بعد الاحتلال ولم يتم القبض عليه إلى أن قالوا إنهم قتلوه وبالنسبة لافتراءاتهم على اليمن وأنهم جاءوا إليه بعدوانهم لتحريره من إيران يطلع علينا مسؤول أمريكي كبير ليؤكد في مؤتمر صحفي بأنه لا توجد دلائل على تدخل إيراني في اليمن ولكن بعد خراب مالطا ومن يتأمل في الحروب التي شنتها الإدارة الأمريكية بتحالفاتها على البلدان الثلاثة أفغانستانوالعراقواليمن سيجد أن نتائجها كلها تصب لصالح إسرائيل وخدمة لها بالدرجة الأولى وكذلك ما حدث في سوريا وإسقاط نظامها، وما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية منذ ما يقارب العامين ثبت بالدليل القاطع أن أمريكا هي من تشن الحرب في غزة وترفض إيقافها وعدم الاعتراف بوجود مجاعة فيها والتي لأول مرة تكون المجاعة من صنع البشر بما معناه إن أمريكا وإسرائيل هي من أوجدتها باعتراف المجتمع الدولي وما إسرائيل وجيشها الصهيوني إلا أداة تنفذ إرادة وأجندة الإدارة الأمريكية وبمساعدة عربية ، لكن من يقنع لنا أولئك الذين تم غسل أدمغتهم من قبل إعلام العدوان وجعل منهم بلاوعي يصعب عليهم التفريق بين الحق والباطل .لتظل السعودية وأمريكا هما الحاكم الفعلي لليمن وهم فقط منفذين لأجنداتهما.