أكثر من 3 عقود اتسمت العلاقات الفرنسية الإيرانية فيها بالجفاء والقطيعة، وغذيت بعدة أزمات زادت من حدة التوتر بين طهران و"الشيطان الصغير" كما أطلق عليها زعيم الثورة الإيرانية الخميني. عادت العلاقات بين إيرانوفرنسا إلى دائرة الاهتمام مجددا، إثر زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس ضمن جولة أوروبية، وهي الزيارة الثالثة لرئيس إيراني منذ 17 عاما. وفي حقيقة الأمر، فإن الصلات بين باريسوطهران قد تعكرت فعليا منذ أكثر من 35 عاما بسقوط شاه إيران عام 1979، وتغيير نظام الحكم في إيران مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية روح الله الخميني، وهي خطوة أولى ساهمت في بناء جدار جليدي بين باريسوطهران. وازدادت العلاقات بين البلدين تدهورا عندما اصطفت باريس مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء حرب الخليج الأولى(1980-1988)، وأبرمت فرنسا عقود تسليح ضخمة مع العراق آنذاك، ما أثار حفيظة إيران، واعتبرت طهران الموقف الفرنسي وصفقات بيع السوبر إيتاندار للعراق بمثابة المشاركة في الحرب ضدها، ليطلق الخميني على فرنسا آنذاك لقب "الشيطان الأصغر" وطالبت فرنسا بإعادة مليار دولار أنفق في إطار عقد تعاون في المجال النووي وعرف باتفاق "أوروديف" أبرم في عهد الشاه. وكانت هذه شرارة أولى لأزمات مفتوحة بين طهرانوباريس " الشيطان الأصغر" مثلما أطلق عليها الخميني في وقت ما. تجددت المواجهات بينهما بحدة أكثر، ما بين 1985 و1986 عندما اتهمت إيران باستهداف المصالح الفرنسية عبر تدبير اختطاف فرنسيين في لبنان، وأيضا عبر سلسلة هجمات إرهابية في باريس بينها اعتداء شارع "رين" في سبتمبر/أيلول 1986 الذي خلف 13 قتيلا وأكثر من 250 جريحا. جاءت إثرها القطيعة بين البلدين في يوليو/تموز 1987 على خلفية قضية "وحيد قورجي" المترجم في السفارة الإيرانية، وكانت أجهزة الاستخبارات الفرنسية قد اشتبهت بصلته باعتداءات 1986، فاحتمى بسفارة بلده إيران، وحاصرت قوات الأمن لأسابيع مبنى السفارة بأمر من وزير الداخلية شارل باسكوا، ثم رحل قورجي من فرنسا بعد مثوله أمام قاض. واستؤنفت العلاقات بين البلدين في 1988 بعد الإفراج عن آخر رهائن الفرنسيين في لبنان مع نهاية الحرب الإيرانيةالعراقية، بعد 3 سنوات من الاحتجاز. لم تهدأ عواصف الأزمات بين فرنساوإيران، فقد تجددت مرة أخرى في يوليو/تموز 1991 بعد اغتيال رئيس وزراء إيران السابق شهبور بختيار، على يد كوماندوز في الضاحية الباريسية "سورين"، ولجأ بختيار إلى فرنسا منذ الإطاحة بالشاه عام 1979، لكنه كان يتصدر القائمة السوداء لطهران. وعادت انفراجة خفيفة بين البلدين خلال فترة حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وعادت إلى مربعها الأول عقب انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد عام 2005. هكذا طويت طهران صفحة سوداء من تاريخ العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا بعد أكثر من 3 عقود من حرب صامتة، وتوجت بإبرام صفقات اقتصادية ضخمة، حيث وقع الطرفان اتفاقات تجارية بلغت قيمتها نحو 15 مليار يورو (16.5 مليار دولار).