الآداب الأوروبية التي أصَّلت لفنون التاريخ الأوروبي ابتداءً من الأغارقة، هي التي حولت التسميات الأكاديمية إلى لازمة توصيفية وتصنيفية للفنون المختلفة، وقد رأينا تلك التسميات وتعميمها الإجرائي، بل والأكاديمي، على آداب التصنيف العالمي لهذه الفنون. وهنا لا بد من القول إنه ليس مهماً التوصيف والتصنيف إلا بقدر كونه سبيلاً لتسهيل قراءة واستقراء الركام الكبير من العطاءات الفنية والأدبية في مختلف حقول الإبداع والمعرفة، وقد يكون لهذا التوصيف أهمية استثنائية في بسط تاريخ تلك الفنون، ومعرفة خصوصياتها وأدواتها التعبيرية، وملاحظة البيئة التي أفرزتها، والحوامل الثقافية التي كانت محددة لمعالمها ورواسخها. لا أود هنا الحديث تفصيلاً عن المجالات الأُخرى التي توازت مع ظهور الموسيقى الكلاسيكية، لكن ما أود التأكيد عليه أن الناظم الأكبر لكل هذه الأنواع ينطلق من نفس المقدمات، ويأخذ بذات المعايير، مع ملاحظة التفارق المؤكد بينها، فالموسيقى صادرة عن مركزية النغمة، والتشكيل صادر عن مركزية اللون، والمسرح صادر عن مركزية الكلمة، والعمارة صادرة عن مركزية البُعد الثالث الواقعي المشمول بمادة البناء.. والسينما صادرة عن مركزية الكاميرا، وهكذا. غير أن هذا التفارقات المؤكدة في المدخلات لا تمنع من التناص والتراسل المؤكد بين هذه الأنماط الفنية، مما يستحق بحثاً واسعاً بحد ذاته. وعطفاً على تسْمِية الموسيقى الكلاسيكية أقول إن هذه التسمية لا تشمل الموسيقى فقط، بل الفنون والآداب المختلفة، وأنها تسمية أوروبية بامتياز، وأنها تحوَّلت إلى دلالة شاملة تطاول الأنواع الفنية والأدبية؛ وقد جرت العادة على اعتماد تسلسل “كرونولوجي” يضع الكلاسيكية قبل الكلاسيكية الجديدة والرومانسية، وقد سرى الأمر أيضاً على الشعر العربي، فشعر الإحياء النهضوي الذي تربع في صدارته أحمد شوقي، تحوَّل تباعاً إلى الكلاسيكية الجديدة، ثم الرومانتكية، وحتى الوجودية، بحسب تلك الإشارات اللماحة للشاعر المُفكِّر الدكتور عبدالعزيز المقالح، في مقاربة له حول مثابة أحمد شوقي في الشعر العربي المعاصر. وما ينطبق على أحمد شوقي ينطبق على مجايليه الإحيائيين، ومن تبعهم بإحسان على درب الشعر والشعرية، ومن هنا نلاحظ معنى الكلاسيكية أو الأكاديمية أحياناً، في توصيف الفنون والآداب. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك