الأطفال الذين نشاهدهم اليوم في ساحات المدارس، في الشوارع والطرقات، أمام منازلهم، يلهون ويلعبون، هؤلاء بمجموعهم حتماً سيكون منهم خلال 30عاماً الوزراء، والوكلاء، ومدراء العموم، والأطباء، وعمال المصانع، السياسيون، وأساتذة الجامعات، رئيس الجمهورية – ربما – أو رئيس الوزراء، المحامون، ووكلاء النيابات، القضاة... إلخ وهؤلاء جميعاً هم صنيعة أُسرهم بالدرجة الأولى. ومن هنا كان الارتباط العضوي بين الأسرة والتنمية، وبهذا يتعمق فهمنا للحديث النبوي : « إن هناك من الذنوب ما لا يغفرها إلا همُّ العيال»، وهمُّ العيال هنا ليس مجرد الإطعام، والإلباس، والإسكان، وغيرها من متطلبات الحياة المادية، بل هناك همُّ أسمى وأهم، وهو « همُّ التربية الحسنة»، والويل لمجتمع يغفل عن أهم ركن لتنمية الأوطان هو تربية الأبناء، وما زلتُ أذكر خطاب أوباما للشعب الأمريكي:« إذا أردنا أن نتفوق على العالم «في المستقبل» فعلينا أن نتفوق على العالم في التعليم (الآن)». في دراسة أُجريت مؤخراً على « 1500» طالبة، اتضح أن هناك كثيراً من المواقف التي تُبنى على غياب الوعي لدى الآباء والأمهات بأبجديات التربية.. إحدى الطالبات تقول: كنا في رحلة طويلة مع الأهل جميعاً، وجاء برد شديد، وكان عمي ووالدي موجودَين، قال عمي لابنته: تعالي إليَّ، وجاءت البنت، ودفأها عمي بوشاحه، وضمها إليه، وأجلسها بجواره، وكانت في غاية الحبور والامتنان.. أما والدي فقد أُحرج ، فلم يكن من عادته أن يصنع معي مثل هذا الشيء، لكنه احتاج أو اضطر أن يفعله هذه المرة، وقال لي: تعالي إليَّ، لكني لم أستطع أن آتي، لأنني لم أتعود مثل هذه المبادرة ومثل هذا الحنان، شعرت أن هذا أمر مخجل، لأنني لم أعتد عليه».. طبعاً هذه القصة تمثل ظاهرة شائعة على العينات التي أُجريت معهن الدراسة. التربية هي الاحتواء العاطفي، والإشباع الوجداني لحاجة الأبناء، للشعور بالحب عطاءً وأخذاً. هي القيم والمبادئ التي غرستها فيهم، وتلك الأخرى التي تخطط لاستكمالها في الأعوام القادمة. هي الطرق والوسائل التي تخطط من خلالها لتعديل سلوكياتهم السلبية، وتعزيز الإيجابية، وتشكيل سلوكيات جديدة تريدهم أن يعتادوا عليها . هي محاولتك اكتشاف المهارات، والقدرات، والمواهب التي يمتلكها ابنك أو ابنتك، ومحاولتك تنميتها، وتشجيعك له، وأخذك بيده، حتى يتمكن من إتقانها، وأن يبدع في ممارستها وتوظيفها. إذا أراد أحد أن يقود سيارة فلابد له أولاً من تعلُّم قيادة السيارات، إذ إنه لو قادها دون تعلُّم فإن النتيجة ستكون صدامات وحوادث مروعة قد تُزهق أرواحاً بريئة، وتُخلف إعاقات جسدية.. وكذلك عدم اهتمام المجتمع والدولة بقضية تربية الأبناء، وتأهيل الآباء والأمهات لهذه المهمة الإنسانية «والوطنية» العظيمة يُخلِّف «إعاقات نفسية»، ومجتمعية عظيمة، وفي حين يسهل جبر الكسور الجسدية والإصابات البدنية، فإنه يصعب جبر «الكسور والتشوهات النفسية». المشكل لدينا في اليمن أنه «ينعدم» تقريباً «الاهتمام المؤسسي» من قبل المجتمع والدولة على حد سواء بهذه القضية المحورية في حياة أي مجتمع يريد أن ينهض، وهي الربط بين الأسرة والتنمية. [email protected]