الأخطاء في دروب الحياة جزء من الطبيعة الإنسانية لا يمكن اجتنابها، وربما تكون عملية ضرورية للتعلم والنضج واكتساب الخبرات الحياتية التي تصنع من الإنسان شخصاً فاضلاً . أما بالنسبة للطبيب فالخطأ شيء مختلف، لأنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بالمريض بطرق مختلفة، وقد يصل الضرر إلى حد جسيم، يشمل عجزاً لبعض الوظائف الجسدية، وقد يؤدي إلى الوفاة. ولقد توفرت للأطباء خلال العصر الحديث معارف طبية متقدمة، ووسائل تشخيصية فائقة الدقة والكفاءة، مما أحدث لديهم إحساساً بوصولهم إلى الكمال في المهارة والكفاءة والأداء، حتى أصبحوا لا يتصورون وقوع الأخطاء الطبية ولا يتوقعونها. وهذا الوهم بالوصول إلى الكمال لا يقتصر على الأطباء وحدهم، ولكنه يشمل كذلك المرضى وأفراد المجتمع بشكل عام. وتنشأ الأخطاء الطبية من مصادر متعددة خلال جميع مراحل المقابلة الطبية، وكثير من هذه الأخطاء تظل مجهولة وغير معروفة لدى الطبيب الذي تحدث له، ويقدر الباحثون في البلاد الغربية أن معدل هذه الأخطاء مرتفع، ويصل إلى 10 - 15 % من مجموع المرضى، والغالبية من هذه الأخطاء تحدث من قبل أفضل الأطباء علماً وخبرة ومهارة. القليل من هذه الأخطاء بسبب نقص المعارف الطبية أو الإهمال، وأكثرها ينتج بسبب اختلال في جمع البيانات وتقديرها خلال تناول القصة المرضية، أو إهمال جزء من الفحص الحكمي، أو عدم الانتباه للعلامات الظاهرة خلال الفحص، وكذلك الأخطاء في التحاليل المخبرية والتصوير الطبي، وفي تقدير أهمية البيانات أو الربط بينها في نسق يفسر جميع الأعراض والعلامات، إلى جانب الأخطاء الإدراكية التي تنشأ بسبب العمليات الذهنية التي تجري في فكر الطبيب، بالإضافة إلى الأسباب الإدارية والتنظيمية، والفوضى والزحام والارتباك خصوصاً في الأقسام الإسعافية، والإرهاق الجسدي والنفسي والعاطفي للطبيب. ويمكن أن تحدث الأخطاء في أي مرحلة من مراحل التشخيص بدءاً من تناول القصة المرضية، وأساليب التواصل مع المريض، والفحص الحكمي، والاستقصاءات المخبرية والتصويرية، وعملية تحليل البيانات والموجودات والربط بينها للخروج بالتقييم الصحيح، والوصول إلى التشخيص، واتخاذ القرار العلاجي الملائم، ثم عمليات المتابعة والمراجعة اللازمة بعد ذلك. ويكاد يجمع الأطباء على أن القصة المرضية وحدها توصل الطبيب إلى التشخيص الصحيح في 70 % من المرضى على الأقل، وذلك قبل أن يلمس المريض أو يفحصه أو يأمر له بأية تحليلات أو كشوفات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الأطباء ينسون هذه المعرفة خلال غمرة أعمالهم، وخاصة مع ازدياد عدد المرضى، ورغبة الطبيب في عدم تراكم الحالات في الانتظار، فيبتسرون القصة المرضية أو يهملونها جزئياً أو كلياً، ويسارعون بإرسال المريض إلى المختبرات ووسائل الكشف الطبي الحديثة، وهم يعلمون يقيناً أن أياً منها لا يستطيع أن يكشف لهم عن الجوانب التي تم إغفالها من القصة المرضية.
في أحد أيام السبت المزدحمة، كان مكتب الاستقبال لدي قد أوقف تسجيل المرضى لذلك اليوم، وأجل مواعيدهم إلى اليوم التالي، وكانت الساعة قد بلغت وقتاً متأخراً وقد بلغت الغاية في الإرهاق الجسدي والذهني، ولم يعد أمامي سوى بعض النتائج المخبرية التي كنت أنتظر وصولها لإنهاء يوم من العمل المرهق الطويل. رن جرس التليفون في مكتب الاستقبال، وكان المتصل أحد أصدقائي القدامى الذي يعمل موظفاً كبيراً في إحدى المصالح الحكومية الهامة، وطلب محادثتي وتلقيت تحويل المكالمة، فوجدته يطلب مني الانتظار في العيادة لأن زوجته مريضة وهو يريد إحضارها إلي في الحال. وحاولت التململ وأنا أساله ما إذا كانت حالتها اسعافية، وهل تقدر على الانتظار إلى اليوم التالي، ولكنه كان مصمماً على الحضور، وأنه سيصل خلال عشر دقائق ولن يؤخرني أكثر من خمس دقائق، واضطررت للاستسلام أخيراً أمام ضغط ملح من صديق قديم. ولم يتأخر وصول الصديق مع زوجته بالفعل، ودخل إلى غرفة الكشف مباشرة، وبدأت بمعاينة زوجته، واتضح أنها حالة من الانفلونزا البسيطة مع سعال وألم في الحلق وصداع وآلام في المفاصل وبعض الاضطرابات المعدية البسيطة. وأجريت لها الكشف الحكمي بسرعة، ولكي أكمل دوري في نيل الرضا والثقة فقد شرحت لهما التشخيص، وقلت أنني سوف أزيد على ذلك بإجراء فحص دم لاستبعاد أسباب الحميات الأخرى، وبدا لي أن ذلك هو بالفعل ما يرغبون به للحصول على الطمأنينة. وبينما كنت أسطر قصاصة طلب الفحص كنت فيما بيني وبين نفسي ساخطاً لأن المريضة قد بدأت إصابتها بالنزلة الانفلونزية قبل ثلاثة أيام، وكان يمكن أن يحضروا في وقت مبكر أو يتأخروا إلى اليوم التالي، وليست الحالة إسعافية بأي حال من الأحوال. وقلت كذلك لنفسي أنه حتى المتعلمين والجامعيين لا يستطيعون التمييز بين الحالة الإسعافية والعادية، ولا يستطيعون اختيار الوقت المناسب لهم وللطبيب للمعاينة، حتى ينالوا الرعاية الطبية بدون ضغط على أحد، وأنهم لا يدركون أن الطبيب يجب أن يكون مرتاحاً، ومتأنياً في عمله ولديه كل الوقت الكافي الضروري لتقديم الرعاية الطبية الممتازة لهم بدون عجلة ولا تسرع ولا هرولة. وعزيت نفسي في هذا الأمر بأن المرض وما يحدثه من تغييرات في نفسية المرضى, ومايحدثه من مشاعر الخوف والقلق، يجعل التعليم ومستواه أمراً لا أهمية له، بل إن المتعلمين ذوي المستوى العالي يمكن أن يكونوا أكثر قلقاً وخوفاً من عامة المرضى العاديين. سلمت لصديقي قصاصة طلب الفحص وهذه الخواطر تتدافع علي، ولم أكن أعلم ساعتها أن المصيبة التالية سوف تكون أكثر فداحة. أخذ الصديق القصاصة من يدي، وتوجه نحو باب غرفة الكشف وفتحه، وأفسح المجال لزوجته المريضة لكي تسبقه في الخروج، وكانت يده على مقبض الباب ويوشك أن يخرج على إثرها، ولكنه تردد في آخر لحظة وسحب الباب وجعله موارياً بينما يده لا تزال على المقبض، والتفت نحوي قائلاً : “مارأيك لو أعمل تخطيط قلب؟ أحسست أمس الليل بألم في صدري استمر قليلاً ثم زال تماماً.. بس أنا أقول أعمل تخطيط قلب للاطمئنان..” قلت له بدون اكتراث، وبدون أن أسأله سؤالاً آخر، أو حتى أنظر إلى وجهه: “ طيب .. طيب.. سوف أطلب من الممرض أن يجري لك تخطيطاً للقلب بعد قليل!” وخرج وأغلق الباب وراءه، وبدأ المرضى الآخرون الذين كنت أنتظر وصول فحوصاتهم المخبرية بالدخول واحداً إثر الآخر، وأشرح لكل منهم النتائج وأكتب له الوصفة الطبية، وبعد ربع ساعة كان الصديق وزوجته آخر من يدخل علي، وكان فحص دم المريضة سلبياً، وكتبت لها الوصفة وسلمتها إلى صديقي، ووقفت خلف مكتبي للسلام والوداع.. ولكن صديقي لم يتحرك من مجلسه، ومد يده إلي بظرف قائلاً : “ باقي حقي التخطيط !”، وأسرعت بالاستدراك متناولاً منه الظرف لأفتحه وأخرج منه ورقة تخطيط القلب الطويلة، وأعود إلى الجلوس وأنا أقول بنفاد صبر وبشعور بالغيظ والسخط: “ نعم.. نعم.. لقد نسيت.. ها.. ها.. تخطيط القلب سليم تماماً.. مع السلامة. ولم أدرك ساعتئذ أنني لم أشاهد من ورقة تخطيط القلب شيئاً، وأنني مررت بنظري عليها بسرعة البرق، ولم أتوقف بنظري ولا بفكري عند أي جزء منها، وربما كان ما أشاهده على ورقة التخطيط هو مشاعري أنا التي بلغت قمتها في السخط والغيظ والحنق، يزيدها تأجيجاً محاولاتي الهائلة في كبت هذه المشاعر أمام صديق قديم، يحضر زوجته لمعاينة إسعافية غير ضرورية، ثم يقحم نفسه في سؤال أو طلب أخير يوجهه إلي عند باب الخروج. بعد ظهر اليوم التالي اشتد ألم الصدر على صديقي فحضر إلى العيادة في وقت مبكر لم أكن قد وصلت فيه بعد إلى العيادة، ولما كان ألمه شديداً فإنه توجه إلى الدكتور عبدالقادر الجنيد، الذي تحتل عيادته الدور الثاني في نفس العمارة،وكنا نشترك معاً في توزيع العمل فيما بيننا، ويعتني كل منا بمرضى الآخر في حالة تأخره أو غيابه، وقد اتضح حينئذ أن الصديق المريض كان مصاباً باحتشاء قلبي حاد ناتج عن الجلطة الشريانية الإكليلية بشكل نموذجي من ناحية الأعراض والعلامات، وأكدها تخطيط القلب وفحص الإنزيمات القلبية التي يرتفع مستواها في الدم بعد أن ينسد أحد شرايين القلب وتتموت المنطقة التي يغذيها، وينطلق من الخلايا القلبية الميتة الكثير من المواد بينها الإنزيمات القلبية التي تؤكد حدوث الجلطة الشريانية. في تلك الأيام لم تكن العلاجات المذيبة للجلطة قد أصبحت العلاج الأساسي، ولم يكن في مدينة تعز وحدة عناية مركزة للعناية بمثل هذه الحالات، وكانت المعالجة التحفظية بالراحة والعلاجات المسكنة للألم، وبعض العلاجات المانعة لانتشار الجلطة أو عودة حدوثها أو حدوث المضاعفات الشديدة التي تحمل مخاطر الوفاة، وقد رتب زميلي للصديق المريض هذه المعالجة التحفظية وأشرف على علاجه خلال الفترة الأساسية المنذرة بالخطر. وبالطبع كان تخطيط القلب الذي أجريته للمريض في اليوم السابق، هو أول شيء اطلع عليه الدكتور الجنيد، وقد هاله أن يجد العلامات المميزة للجلطة القلبية واضحة في التخطيط، واستغرب كيففاتني الأمر، ولم الاحظه على الإطلاق وأنني قد مهرت التخطيط بتوقيعي بما يشير إلى أنه سليم وطبيعي. أنا لم أعلم شيئاً مما حدث ذلك اليوم ولكن الأخ عبدالقادر مر علي بعد ذلك بيومين، وشرح لي الأمر وذكر لي موضوع تخطيط القلب، وكان رقيقاً في انتقاده ومتلمساً لي العذر مقدماً، ولم يحاول الإلحاح علي لمعرفة كيفية حدوث الخطأ، على الرغم من أنه كان يطلب مني تفسيراً، وينتظر مني أن أقوم بالشرح أو التوضيح، ولكنني كنت ممتلئاً بمشاعر الغضب من نفسي، وأخذت أهز رأسي صامتاً، وبدا واضحاً لزميلي أنني غير راغب في الكلام، وربما ظن أنني غير مهتم بما جرى، أو ربما غير مقدر لفداحة الخطأ الذي وقعت فيه. ولم يعد أحد منا إلى فتح الموضوع للحديث مرة أخرى،ولكنني مررت بعدها بأيام سوداء من القلق والخجل، وليالٍ بيضاء من السهاد والأرق. تجاذبتني خلال تلك الأيام والليالي مشاعر متناقضة شديدة من الإنكار والتأنيب واللوم الذاتي، والخجل من تصرفي وإهمالي، ومشاعر نقص احترام النفس، وانعدام الكفاءة العلمية والمهنية للعناية بالمرضى وتقديم أفضل الرعاية لهم، والتي تشكل الواجب الأول للطبيب.. حاولت إيجاد المبررات لنفسي وألقيت اللوم والذنب كله فيما حدث على المريض نفسه، لأنه قد حضر إلي في موعد متأخر ضاغطاً علي بمشاعر الصداقة لانتظاره لمعاينة زوجته، التي تعاني نوبة بردية تافهة، ومهملاً ألماً صدرياً أصابه نفسه في الليلة السابقة. وتعززت في نفسي وقناعاتي أن المريض لم يقم بطلب الكشف المعتاد عليه، وأنني لم أكن قد عاينته سابقاً ولا أعرف عن حالته الصحية، وأنه تقدم إلي بطلب لإجراء تخطيط القلب في آخر لحظة بينما كانت يده ممسكة بمقبض الباب قبل خروجه بثوان قليلة،وأنه كان من المستحيل علي إدراك أنه يعاني من شيء طالما أن غرضه الأساسي من الحضور كان معاينة زوجته، أما طلبه لتخطيط القلب فقد كان أمراً ثانوياً عرض على فكره في آخر لحظة. وما أن أبدأ بالقناعة بمثل هذه المبررات حتى أجد أنني أرفضها بإباء وتصميم، ففي جميع الأحوال أنا الطبيب وأنا المسئول أولاً وأخيراً أمام نفسي وضميري،وربما كان الأفضل والأنسب ألا أجعل مشاعر الصداقة تضغط علي،وأن أرفض انتظاره عندما تحدث إلي تلفونياً،وأن أعتذر له بحزم بأنني لا أستطيع انتظاره لمعاينة زوجته،وربما كان كذلك من الأفضل أن أرفض إجراء تخطيط القلب عندما طلبه مني في آخر لحظة، وأن أطلب منه بحزم وأدب أن يحضر للمعاينة بالشكل المعتاد، وأن أكون أنا من يقدر الحالة ويطلب الإجراءات التشخيصية اللازمة، وليس أن أنساق وراء طلب منه بدون قناعة وبدون تقدير لما يتوجب عليه البحث عنه في تخطيط القلب، وأخيراً طالما وأنني قد انسقت وراء طلبه، وأهملت القصة المرضية والفحص الحكمي، وأجريت له تخطيط القلب، فقد كان الأجدر بي أن ألقي عليه نظرة حقيقية متفحصة كالمعتاد، ولن يأخذ مني الأمر سوى نصف دقيقة لاكتشاف الأمر. هل نسيت أن أي فحص أو كشف مهما كان نوعه لايظهر التشخيص إلا إذا كان يجيب على سؤال قد وضعه الطبيب، وفكر فيه مسبقاً قبل طلب الفحص؟ وكيف نسيت أن الإنسان لايرى إلا ما يريد أن يراه، ولا يلاحظ إلا الأشياء التي يريد أن يلاحظها، ولايجد إلا الأشياء التي يبحث عنها؟!! كيف يمكنني كطبيب محترف أدعي المعرفة والخبرة والمهارة، أن أنسى أو أهمل أو أتجاهل قواعد التفكير الأساسية للعمل الطبي التي تقود إلى التشخيص الصحيح؟! وهكذا أقع مرة أخرى في مشاعر الإحباط وتقريع الذات ولوم النفس، وتنتابني الأفكار المقلقة المزعجة التي تندفع إلى عقلي وفكري في لحظات الليل والنهار مثل مجموعة من العقارب والثعابين السامة. ومن بين الوسائل والآليات الدفاعية النفسية التي عرفتها، وطغت علي في كثير من الأوقات، وساعدتني أحياناً في التغلب على مشاعر الذنب والخطأ والقلق ولوم النفس، كانت وسيلة التهوين من حجم الخطأ ونتائجه، فمهما كان الأمر فقد كان كل الخطأ الذي وقعت فيه هو أنني قد أخرت التشخيص الصحيح لأقل من 24 ساعة، ثم إن مستشفياتنا حينئذ لم تكم تملك وحدات للعناية المركزة لأمراض القلب، ثم إن المريض لم يحدث له شيء خطير وأن نوبته القلبية قد مرت بالسلامة وكتبت له النجاة، وهو لايعلم بالأمر لأن زميلي وصديقي قد تصرف بنبل عظيم وبروح أخلاقية عالية، وأنا على يقين أن الأمر سيظل بيني وبينه، وأنه حتى قد رضخ لمشيئتي عندما التزمت بالصمت الكامل ورفضت تقديم أي تفسير أو مبررات أو أعذار لكي أبرئ نفسي من الخطأ أمامه على الأقل، ولو كنت قد فعلت لقدم لي بنفسه من المبررات مايريح نفسي المكلومة ومايهدئ مشاعري القلقة المضطربة. ولكن كيف أفعل ذلك أو أقبل المبررات من أي شخص آخر حتى لو كان صديقاً حميماً، أو حتى لو سامحني المريض بنفسه لو علم بالأمر، فالمشكلة أنني لم أسامح نفسي بعد ولم أغفر لها، وأي نفس قد تقبل الغفران من الآخرين، قبل أن تمنحه لنفسها. ليس هناك من شيء قادر على شفاء الجروح وجبر الكسور مثل الزمن ومر الليالي والأيام وتقادم العهد، فهذه وحدها هي القادرة على جبر الخواطر وشفاء النفوس والتغلب على مشاعر الحزن والغضب والانفعال والقلق والإحباط والاكتئاب والصبر على المكاره التي تصيب القلوب والعقول، حتى يصل الأمر أخيراً إلى نوع من الإخفاء والكبت لجميع المشاعر الانفعالية السلبية والتلاؤم مع الذات والمحيط، بما يحفظ للكينونة الشخصية اتساقها وتكاملها. وعلى الرغم من أن المشاعر السلبية قد تطفو على السطح من آن لآخر، إلا أن الهبات العقلية التي منحها الله للإنسان من الوسائل الدفاعية النفسية، تستطيع أن تكبتها على الفور، وأن تعيد دفنها في أعمق متاهات الذاكرة. لست أدري ما إذا كان ماقمت به خلال الصفحات السابقة من نبش لقبور الذاكرة هو نوع من إقلاق الميت من الذاكرة تماثل إيقاظ الفتنة النائمة، أم أنه نوع من تحرير الذات من قيود ورواسب تجعل دفنها النهائي كاملاً، أم أنه نوع من طلب الغفران للذات من الذات نفسها قبل طلبه من الآخرين.. حقيقة لست أدري!!