بالرغم من شخصية الكاتب الأكاديمية وتخصصه في مجال التاريخ إلا أنه في هذا الكتاب حاول أن يبتعد بالقارئ عن تعقيدات التاريخ وينأى به عن مصطلحاته عندما أستخدم لغة واضحة وتعبيرات سهلة مخاطبا كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياتها التعليمية والثقافية والفكرية فكان اقرب في بعض الموضوعات إلى الأديب منه إلى المؤرخ كما صبغت موضوعات أخرى بصبغة اجتماعية فكان فيها أقرب إلى الباحث الاجتماعي ليعود إلى التاريخ كأستاذ وباحث فيه وهو يتحدث عن المكلا في فترة السلطنة القعيطية . ولان الموضوعات قد كتبت متفرقة و نشرت في الصحافة مستقلة عن بعضها في فترات مختلفة قبل أن تجمع بين دفتي هذا الكتاب الذي أتت فيه متنوعة أيضا قاسمها المشترك مدينة المكلا وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة فيها في فترة من تاريخها نقل الكاتب بعضها من خلال معايشته لأحداثها لهذا أتت كحصيلة لخبرات متراكمة لا تخلوا من المعاناة فكانت موضوعات الكتاب مشحونة بالمواقف الحياتية قليلة النقل المباشر عن فلان و علان . حيث وقد لجاء الكاتب من فقرة لأخرى إلى نقل القول كما هو متداول باللهجة الحضرمية الدارجة ليجعله معبر عن الحدث بكل موضوعية وشفافية ثم يعود إلى شرحه و إيضاحه للقراء من غير الحضارمة . ففي مجال مشاهدات ووقفات في صفحة ( 97 ) نقل معاناة المواطن في مراحل مختلفة من تاريخ المكلا التي هي ذات معاناته منطلقا من عمليات التشديد على السفر خارج الوطن لدرجة أصبح معها الوطن بمثابة سجن كبير يضيق أكثر في حضرموت التي تمتد حدود أسرها إلى خارج حدوده مما ضاعف معاناتهم وكانوا أكثر سكان الجنوب تطلعا نحو التغيير وإنهاء نظام القبضة الحديدية . فأن كانت اليمن قد تضررت من تلك السياسة فقد مس الضر حضرموت أكثر وهي التي غادرها رأسمال أبنائها ليعمر بلدان سواها . وعندما رفعت سياسة القبضة الحديدية حلت سياسات أباحت حدود الوطن للداخلين والخارجين لتبدأ المعاناة من جديد عندما تسلل إلى البلاد من يثير فيها الرعب والفوضى وهذا عكس ما عرفت به حضرموت و المكلا بالذات من هدوء واستقرار طيلة تاريخها . وصلت معاناة الكاتب به أن يقارن بين سلوك الإنسان وسلوك الحيوان كل في مجتمعه وعلاقته ببني جنسه من حيث التعاون وهي مقارنه غريبة ومدهشة في ارتباطها إلا أن الدكتور الجعيدي لا يسمح لدهشتك أن تستمر لتصل بك لدرجة التفلسف ليقطع عليك طريق التساؤلات عندما يصل بك مباشرة إلى محطة من محطات معاناته هي مستشفى باشراحيل – الأمومة والطفولة حاليا – التي زارها يوما ما بعد أحداث دامية ورأى بأم عينه الجثث المنتشرة في كل زاوية من زوايا غرفة الطوارئ وكان يتساءل بألم أن كانت وصلت إلى هناك ميتة أو أن روحها قد صعدت إلى باريها وهي في تلك المستشفى الغائب عنها طبيبها المناوب الذي يفترض أن لا يغادرها في أحداث كتلك والتي لم يفصح عنها حيث أتوقع أنها أحداث حرب صيف 1994 لكونها الحرب الوحيدة الداخلية التي امتدت جبهاتها إلى داخل حضرموت بينما كانت حضرموت الأرض قبلها خارج مسرح الأحداث والانقلابات والتصفيات السياسية التي شهدها الجنوب في فترات مختلفة ومعاناة ضعف إلتزام الطبيب لأخلاقيات المهنة التي كان الإلتزام بها منذ (أبي قراط ) وشددت عليها التشريعات الإسلامية والمفكرين والأطباء والفلاسفة من بعد مثل ( أبن سينا ) وغيرهم لا تزال هي معاناة المجتمع فمع أن الأطباء والمستشفيات والتعالي في الشهادات الطبية أصبحت تتزايد بمتوالية هندسية إلا أن معاناة المواطن بسبب الإهمال وسوء التشخيص ونتائج سموم الأدوية تتزايد بنفس المتوالية لتصاغ من ذلك معادلة اجتماعية وأخلاقية غريبة هي في جوهرها وتكوينها وهي ليست نتيجة جهلا بعلوم المهنة أو ضعفا في طريقة ممارستها وإنما هو ضعف في الالتزام بأخلاقياتها وغياب قوانينها التي أهتمت الحضارات بتشريعها منذ عهد الملك البابلي ( حمورابي ) . ليعود الكاتب مؤكدا بصورة أو بأخرى بان تلك السلوكيات السلبية ليست من سلوك الحضارمة الذين يشهد تاريخهم الاجتماعي بتعاونهم وإيجابيتهم مستدلا ببعض السلوكيات الإيجابية كإطلاق الطلقات النارية في حالات الخطر كالسيول الجارفة وغيرها حيث يتعرف الناس من عدد الطلقات في تحديد نوع الخطر المحدق بهم ليقوموا بما هو مطلوب منهم القيام به لتجنب أخطاره أو التقليل منها ليؤكد بأن بعض ممن يقوم بالتصرفات السلبية ليس هم المجتمع الحضرمي بكله وإنما هم أفراد قليلون موجودون في كل مجتمع من المجتمعات ومعها لا يخفي حماسته في الأخذ بيدهم لإخراجهم مما هم فيه محبة فيهم ووفاء لمجتمعهم الذي هو في الأصل مجتمعه وقد ضرب لهم الأمثال بإبراز بعض الأسماء منهم مبينا كيف آثروا الحق على الباطل كالتزام ديني وأخلاقي وقيمي اجتماعي . وتحت عنوان ( سيبي وماسيبي) في صفحة ( (105 تبدوا الصورة واضحة جلية تعكس معاناة الكاتب من سلوكيات فئة اجتماعية من فئات مجتمعه الذي راح يصنفه من حيث السلوك الاجتماعي إلى فئتين فئة الإيجاب ( سيبي ) وفئة السلب ( ماسيبي ) حيث لا يخفي سخطه وحزنه من الفئة الأخيرة وأثرها السلبي على مجتمعه ومدينته التي أحبها حيث وأن أفراد الفئة الثانية بسلبيتهم تلك يقفون عائق في وجه مسيرة الإصلاح والنماء للمجتمع مبرزا بعض الشخصيات التي كان لها دور إيجابي فاعل في المجتمع الحضرمي اذكر من بين ما ذكر ( الشيخ عبدالله محفوظ الحداد ) . معتبرا بأن الحراك السياسي والاجتماعي الجماهيري الذي شهدته مدينة المكلا كغيرها من مدن اليمن والعالم العربي على أثر ما سمي بثورات الربيع العربي يعد أولى خطوات الخروج للمكلاويين من دائرة ( الماسيبي ) . ومع خروج المجتمع المكلاوي من دائرة ( الماسيبي ) بتفاعله مع الأحداث السياسية والاجتماعية الحادثة في مجتمعه بتحركات شبابه وكتابات كتّابه فهو يسجل لنفسه موقفا مشرفا فيها يحتاج معه إلى توعية مستمرة ليكون إيجابيا في تعبيره أيضا بكل المقاييس وعلى المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية والمؤسسات الثقافية والتيارات السياسية فيه تحمل مسؤولياتها . فبعد فترة من الركود الفكري السياسي الذي فرضته على الشعب الأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها خلال المرحلة الماضية التي أقتصر نشاطها على التوسع في العضوية ليوم الحشد الانتخابي متخلية عن دورها التثقيفي والجماهيري وجد المواطن نفسه فجأة في قلب الحدث ومطلوب منه القيام بدور فيه حيث لا تزال شريحة واسعة منه تتأثر بعمليات الشحن العاطفي على حساب عمليات الإقناع العقلي . فيأتي تعبيرها مضطربا يفرق ولا يجمع مما ينعكس سلبا على تماسك المجتمع ويعطي الآخرين فرصة استغلال مثل هذه المواقف لتنفيذ أجنداتهم الخاصة في تفكيك المجتمع وتجزئته بل وبث الخلافات بين أفراده بهدف إضعافه . وعليه يجب الاهتمام بهؤلاء الخارجين حديثا من دائرة السلب إلى فضا الإيجاب الواسع أي الخارجين من دائرة (الماسيبي) بحسب تعبير الكاتب بتوعيتهم وتمكينهم من وسائل تعبيرهم الإيجابي عن مطالبهم والتأكيد لهم بأن الحقوق لا توهب وإنما تنتزع ولكن بأساليب واعية ومدروسة فعمود الكهرباء الذي يقتلع من على ناصية الطريق في يوم إحتجاجي هو ملك للمحتجين ولمجتمعهم وقد بني من خير بلادهم وعلى حساب لقمة عيشهم وهو لهم مع كل ما آلت إليه النتائج السياسية لذلك عليهم الحفاظ عليه . وأن المجتمع الذي ينشطون فيه هو مجتمعهم وأن أي تحرك سياسي يحتاج إلى احتضان إجماعي لينجح وبالتالي عليهم وضع مصلحة المواطن البسيط في مجتمعهم صوب أعينهم وهم يعبرون عن احتجاجهم ليكون الخروج من دائرة (الماسيبي ) إلى فضاء ( السيبي ) مكسبا لمجتمعهم وصفحة مشرفة تضاف لصفحات مدينتهم (المكلا ) التي بداء الدكتور الجعيدي مشكورا تجميعها وتوثيقها في هذا الكتاب والذي سبقه ( أوراق مكلاوية ).