منذ عام ونصف العام تركز أمريكا في استراتيجيتها للأمن القومي على قتال "داعش"، أما اليوم فقد وضع الجيش الأمريكي مواجهة كل من روسياوالصين في أولوية استراتيجيته الدفاعية الجديدة. وتعد الوثيقة التي يطلق عليها "استراتيجية الدفاع الوطنية"، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2014 على الأقل، أحدث إشارة على إصرار إدارة الرئيس دونالد ترامب المتزايد على مواجهة التحديات التي تمثلها كل من روسياوالصين على الرغم من دعوات ترامب لتحسين العلاقات مع موسكو وبكين. استراتيجية الأمن القومي الأمريكي بلسان وزير الدفاع الأمريكي وقال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أن التركيز الرئيسي للأمن القومي لأمريكا هو على منافسة القوى العظمى وليس الإرهاب، مؤكداً أن "أمريكا تواجه تهديدات من مختلف القوى الرجعية كالصينوروسيا". وقال وزير الدفاع الأمريكي امام الكونغرس الأمريكي خلال إعلانه استراتيجية الدفاع الجديدة "سنواصل حملة ملاحقة الإرهابيين، لكن منافسة القوى العظمى هو محل تركيز الأمن القومي الأمريكي الآن وليس الإرهاب". وأضاف "نعتزم تحديث القدرات الرئيسية. الاستثمار في الفضاء الإلكتروني وقوات الردع النووي والدفاع الصاروخي"، معترفاً أن " تفوق الولاياتالمتحدة عسكريا في الجو وعلى الأرض وفي البحر والفضاء الإلكتروني يتلاشى". كما أكد ماتيس أن هذه الاستراتيجية تعطي أولوية للاستعداد للحروب الأساسية، قائلا "تماشيا مع واقع اليوم، هذه الاستراتيجية توسع مساحتنا التنافسية، وتعطي الأولوية للاستعداد للحرب، وتوفر اتجاها واضحا للتغيير الملموس بالسرعة الملائمة، وتبني قوة أكثر فتكا للتنافس الاستراتيجي". وختم قائلاً "سوف نعزز التحالفات التقليدية مع بناء شراكات جديدة مع دول أخرى". عقيدة ترامب الجديدة ام استكمال طريق أوباما على الرغم من إشارة وزير الدفاع الأمريكي إلى أن وثيقة استراتيجية الدفاع الأمريكية وثيقة جديدة في حكومة ترامب وهي تختلف عن سابقاتها، إلا أنها غير ذلك. فالأوراق ال 11 المنشورة من هذه الوثيقة هي مماثلة لتلك التي وردت في وثيقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الاستراتيجية عام 2014، وهي لا تختلف إلا في ترتيب بعض الأولويات كإعلان عن أن كل من الصينوروسيا تشكلان خطرا على الأمن القومي الأمريكي. ومن جهة أخرى، تشابهت وثيقة ترامب بما قاله باراك أوباما، في تشرين الثاني / نوفمبر 2011، عندما خاطب البرلمان الأسترالي، أن سياسة بلاده الخارجية، لن تكون أولويتها مكافحة الإرهاب، بل سينصب التركيز على التحديات الأمنية والاقتصادية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. حتى أن وزيرة الخارجية السابقة في عهد أوباما "هيلاري كلينتون" قالت في أكتوبر من ذلك العام، أن مستقبل السياسة العالمية سيكون في آسيا والمحيط الهادئ، وليس في أفغانستانوالعراق. وتظهر هذه الموقف بوضوح أن الحرب على الإرهاب، التي تجري في العراق وسوريا وأفغانستان، لم تعد الأولوية لدى واشنطن وهي تتطلع إلى مراجعة استراتيجياتها الدفاعية وتصويبها بتجاه اسيا. اعترافات بتراجع أمريكا عن المنافسين ومن ناحية أخرى، فإن الجدير بالذكر هو أن اعتراف وزارة الدفاع الامريكية بتأخر واشنطن عن منافسيها الدوليين الآخرين بالكلام الخطير. حيث قال وزير الدفاع الأمريكي أن "الولاياتالمتحدة تواجه تهديدات من مختلف القوى الرجعية كالصينوروسيا". وأضاف ان "منافسة القوى العظمى هو محل تركيز الأمن القومي الأمريكي الآن وليس الإرهاب". مما يعني بشكل غير مباشر تقدم روسياوالصين على أمريكا في شتى المسائل العسكرية وتراجع القدرات العسكرية الأمريكية أمام هاتين القوتين العظمتين. تحدي واشنطن مع عالم متعدد الأقطاب وبالتالي، ما يمكن استخلاصه من وثيقة "استراتيجية الدفاع الأمريكية" الجديدة هو عدم إدراك واشنطن للمتغيرات والظروف الدولية الجديدة، وبالنسبة للقادة الأمريكيين، فإن افول النظام الأحادي القطبي وتشكيل نظام متعدد الأقطاب ليس مقبولا بأي حال من الأحوال. ومثالا على تعدد القطبية في العالم، يبرز في الشرق الأوسط كل من دور إيران وتركيا وروسيا، وفي شبه الجزيرة الكورية كل من كوريا الشماليةوالصين وغيرهم من الدول الذين خرجوا من تحت العباءة الأمريكية ويقفون بالند المنيع لمصالح أمريكا في المنطقة. إذا بالنظر لما أتى في الوثيقة الأمريكية، والتركيز فيها على مواجهة إيرانوكوريا الشمالية وتعزيز العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين والعرب، تعي أن واشنطن قلقة بشأن مستقبل النظام العالمي ومن الطبيعي، أن لا تقبل أمريكا نظام تعدد الأقطاب وذلك بعد فترة الهيمنة غير المسبوقة التي عاشتها في السابق.