العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    مانشستر سيتي يسحق ليفربول بثلاثية نظيفة في قمة الدوري الإنجليزي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة 15 ديسمبر للقاصة ريَّا أحمد
رؤية نقدية
نشر في الجمهورية يوم 31 - 01 - 2007

رانيا مأمون15 ديسمبر قصة يلعب فيها الخيال بوقائعه المتخيلة دوراً أساسياً في كل أجزاء القصة عدا الجزء الأخير «العام العاشر».. ونلمح تناصاً مع بعض قصص الكاتبة نفسها مثل «مستشفى 2000 وضحكات تلتهم العالم».
قامت الكاتبة بعملية إسقاط لواقع العالم على أحداث القصة معبرة بطريقتها الخاصة على ثورتها وعدم تقبلها لعالم اليوم، فابتدعت عالماً متخيلاً هو أقرب إلى المدينة الفاضلة.
ولأن الكتابة إنفعال ومحاولة لإخراج كوامن النفس ورغباتها.. أحزانها.. أحلامها وأمانيها هي: «تفجير لمكبوتات أشياء الجسد، فالكتابة فعل متعدد الإمتدادات والانحناءات، تكثف الحضاري والثقافي والاجتماعي والأيدلوجي والنفسي، غير أنها مهما تعددت فإنها لاتخرج عن مساحة جسد الكاتب مهما كانت غايات هذا الجسد المعلنة والخفية» كما يقول الكاتب محمد نور الدين، وهي محاولة للتحول إلى الآخر أو من حال إلى حال أو محاولة الانتقال من واقع إلى آخر مغاير «الكتابة افتراق مع الآخر وارتماء في آخر مغاير بواسطة الكلمات»، نجد أن الكاتبة أظهرت هذه المعاني بوضوح في هذه القصة التي نحن بصددها الآن.. وهذا هو الدافع وراء القول أن الكاتبة أسقطت عالمها الذي نعيشه الآن على عالم متخيل تتحقق فيه كل الرغبات والأمنيات الكامنة في النفس والداعية إلى التغيير وتنتفي وفيه صفات الواقع غير الحميدة والتي من أجلها وتعبيراً عن رفضها الكاتبة، كان الإسقاط.
الزمان في القصة ممتد على مدى عشر سنوات وجاءت كل سنة حسب أسبقيتها الزمنية والحدثية أيضاً بمعنى أن الزمان جاء تراتيبياً ومتوالياً، فلم تسبق سنة متأخرة في ترتيبها سنة قبلها وتوافق هذا مع طبيعة القصة.
المكان وإن بدا للوهلة الأولى أن هذه الغرفة الممتلئة، إلا أنه تمدد حتى عم العالم.. وما الغرفة وما الإشارة إلى إمتلائها بكل شيء إلا رمز وتمثيل مبسط لهذا العالم الذي تجرى أحداث القصة فيه «...... غرفتي المليئة بالتحف والصور والكتب والكاستات والصحف ووو وكل شيء» عبارة «وكل شيء» وإن جاءت فضفاضة بحيث لاتحتملها الغرفة بمساحتها المحصورة والضيقة والتي يصعب قبولها إلا إذا نحونا المنحى الوحيد الذي ذكرناه: هو أن الغرفة هي الدُن الذي صب فيه العالم كل أشيائه.
وتيرة الأحداث في إرتفاع في كل فصل... أي إيقاع الأحداث متنام إلى أن وصل الذروة في العام التاسع عندما فقأت الراوية عينيها.. فقد الرواية لعيونها باختيارها هو دلالة على التضحية من أجل بقاء العالم.. عالم الريانة وهذه آخر قيمة نستلهمها من القيم الكثيرة الجميلة التي قالتها القصة «... أخرى فقررت أن افقأهما من أجل بقاء عالمنا، عالم الريانة..»
قبل لحظة إتخاذ القرار تقارن الرواية بين أمرين، الوحدة أو الصُحبة، فتختار الثاني ودافعها هو الحنين إلى الأم والأب والأخ والحبيب والذين لم تلتهمهم إلا لحبها لهم وخوفها عليهم من هذا العالم «... وكان أن يحدث أحد أمرين إما أن التهم المرآة فتنتقل إلى عالمي وأظل وحيدة إلى ما لانهاية وإما أن التهم نفسي عبر المرآة فأرتمي في أحضان أمي وأبي وشقيقي و«...» وهو الأكثر شوقاً إلي».
السرد في القصة سرد ذاتي، والسرد الذاتي هو الأكثر إقناعاً بالنسبة للقارئ والأكثر صدقاً، فالراوي فيه يحكي عن واقع هو عاشه ولايحكي عن واقع سمع عنه والقارئ كما نعرف يصدق التجربة المحكى عنها.. أما اللغة فهي لغة متزنة لم تجنح إلى اللغة الشاعرية والتي تفقد سمتها في أنها قصة مبنية على حدث والتي ينتقدها الكثيرون اللغة الشاعرية.
القصة وإن جنحت للخيال فإنها لم تغفل الجانب الدلالي «.... فطالما رأيت أن الورد هو الجمال الذي يسكنا وهو الشيء الوحيد الذي لايستطيع المرء أن يبغضه، مددت يدي لألملم تلك الاشلاء إلا أنها اختفت فجأة.. لقد التهمتها عيناي» هنا تصريح إن أبرز عناصر العالم الجديد المتخيل "عالم الريانة" وأول دعائمه هو الجمال والوردة تدل على الجمال الطبيعي والتهام الوردة يضع في أذهاننا صورة للعالم الجديد وهو مليء بالورود وبالتالي جمال طبيعته من طبيعة جمال الوردة، وهذه دلالة على أن عالم اليوم يفتقد الجمال..
أرادت الراوية أن تقول لنا: أن الفرح في عالمنا الحالي غير مكتمل وأن إحساسنا به مشروخ «... فقد كنت عروساً بلا أسنان كما كان رجلي عريساً بلا ملامح، عام كامل قررت العاصفة أن أكون فيه صورة ممزقة لعروس يؤطرها برواز مشروخ»، حتى المرآة المتسخة ثالثة الثلاثة المتبقين تدل على تخبط هذا العالم لعدم وضوح الرؤية.. تدل على أننا لانرى أنفسنا كما هي على حقيقتها لأننا نراها من خلال مرآة متسخة لاتقول الحقيقة كما هي.. لايعني هذا لو أن المرآة نظيفة فإنها تعطينا صورة أكثر جمالاً، بل صورة أكثر وضوحاً؛ على حقيقتها دون تجّمل، أي أننا الآن نعيش بشخصيات ليست لنا ولانرى أنفسنا على حقيقتها، هذا الواقع مرفوض بالنسبة للراوية لأنها عندما أرادت أن تختار بين أن تلتهم المرآة أو تفقأ عينيها اختارت الثانية لأنها لاتريد في عالمها مرآة متسخة تغيّب أناسه عن حقيقتهم وتطمس رؤياهم، لذلك تركتها في العالم «الغرفة» ولم تصحبها إلى "عالم الريانة"..
القصة في مجملها جيدة من حيث الفكرة والمعالجة وقوية من حيث الدلالات، ولكن هناك بعض الملاحظات الطفيفة التي نالت قليلاً من البناء الفني للقصة والتي رأينا تسليط الضوء عليها.
تدخل الكاتبة في بعض الأحيان في النص مما يؤدي إلى توجيه القارئ إلى منحى معين تريد الكاتبة أن توصله إليه، بحيث أنها لاتتركه يكتشف الأشياء بنفسه من خلال قراءته للنص، وهذا نوع ما تعدى على حرية القارئ لانه يفهم ماتريد له أن يفهمه وتقطع عليه الطريق للوصول إلى ماوراء النص بنفسه، فالقارئ يستمتع دائماً بالقراءة التي يكتشف فيها ما وراء النص بنفسه حتى لو كان غير ما أراده الكاتب وهذا جانب من جوانب "نظرية التلقي" في الأدب العربي الحديث.. لنورد مثالاً:
«... يجب أن تكونوا على يقين بأن أي عالم يبدأ بوردة كعالمنا هذا هو عالمٍ خالٍ من الزيف وخالٍ من القبح لأن الجمال هو لغة البسطاء والأمناء وهو مرادف للإنسان، ذلك الإنسان الذي كان..» أرى أن هذا تدخلاً من الكاتبة فالقارئ ذكي ويمكنه أن يكتشف أن العالم بدأ بوردة عندما التهمتها عيون الرواية، وإن لم يكن ذكياً ليكتشف هذا بنفسه فإن الراوية أشارت بل صرحت له بهذا عندما قالت: «كانت الوردة هي الملهم وهي الرمز ولأنها كذلك فقد كانت بداية لعالم جميل».
القصة القصيرة كما نعرف تعتمد على الإيجاز والتكثيف فلا تعتمد على التفاصيل كما في الرواية، في بداية العام السادس فقرة كاملة أقحمت في القصة «بعد أن أصر شقيقي على...إلخ» يمكن الاستغناء عن هذه الفقرة تماماً ودون أن يؤثر هذا في أحداث القصة بل يفيد في البناء يمكن أن يبدأ الفصل ب «العاصفة بدأت هذه المرة...» هذه الفقرة هي عبارة عن مقدمة للفصل السادس فقط والقصة القصيرة لاتحتمل هذا.
هناك جمل زائدة منغرزة في النص والجمل الزائدة تضعف القصة نوعاً ما مثل: «....لايهم ولكن الأهم هو العام السادس من أعوام...إلخ».
إنتهاء الصل عند كلمة «الصورة» أقوى فهذه جملة زائدة لم تضف للقارئ شيئاً، و«.... وكان هذا دليل على عظمتي كما تعلمون» و«جيد تتذكرونها إذن» و«البداية كانت عالمكم هذا... أو عقبال مئات السنين» و«... بالضبط هم فرسان البكاء على الاطلال».
العام أو الفصل العاشر جاء قائماً بذاته بعيداً عن أحداث القصة وإن كان هو ملخصاً لها، هذا مضمونه أما من ناحية البناء الفني فقد جاء الفصل مباشراً تقريراً أقرب إلى المقال وقد أضعف هذا القصة نوعاً ما أو بتعبير أدق أضعف نهاية القصة جاء الفصل بشكل خطابي واعظ «العالم يا أبنائي هو إنسان كبير يضم كل البشر... إلخ» ولو جاءت النهاية حدثية لكان هذا في صالح القصة أكثر، مثلاً لو إنتهت القصة بنهاية الفصل التاسع عندما فقأت الراوية عينيها، أرى من وجهة نظري المتواضعة أن هذه نهاية قوية جداً وممتعة للقارئ عندما شارك هو في هذه القصة باكتشافه ما وراء النص ووصوله إلى المدلول.. على هذا طبعاً تنتفي وظيفة الجملة «فكانت هذه الخطبة التي تؤرخ للإنسان تاريخ عالمه الجديد» في بداية القصة.
النص الجيد يستوعب كل القراءات وتعدد القراءات بتعدد القراء هو أكبر دليل على جودته وإبداع الكاتب.
هذه بعض قراءة لقصة «15 ديسمبر» القصة المحتشدة بالصور والخيال والحركة.
القصة جميلة جداً فكرة ودلالياً ككل قصص القاصة ريّا أحمد وإن كانت هناك بعض الملاحظات فهي تعود فقط للفترة الزمنية التي كتبت فيها لأنها منذ أكثر من عام كما أعرف، علماً بأن للكاتبة قصصاً لو شرحناها فلن نجد أية ملاحظة عليها.. لأنها قصص قوية من جوانبها الفنية والدلالية والجوانب الأخرى...
تمنياتي أن أقرأ لها المزيد والمزيد والمزيد
وبالتوفيق إن شاء الله - أديبة سودانية15 ديسمبر قصة يلعب فيها الخيال بوقائعه المتخيلة دوراً أساسياً في كل أجزاء القصة عدا الجزء الأخير «العام العاشر».. ونلمح تناصاً مع بعض قصص الكاتبة نفسها مثل «مستشفى 2000 وضحكات تلتهم العالم».
قامت الكاتبة بعملية إسقاط لواقع العالم على أحداث القصة معبرة بطريقتها الخاصة على ثورتها وعدم تقبلها لعالم اليوم، فابتدعت عالماً متخيلاً هو أقرب إلى المدينة الفاضلة.
ولأن الكتابة إنفعال ومحاولة لإخراج كوامن النفس ورغباتها.. أحزانها.. أحلامها وأمانيها هي: «تفجير لمكبوتات أشياء الجسد، فالكتابة فعل متعدد الإمتدادات والانحناءات، تكثف الحضاري والثقافي والاجتماعي والأيدلوجي والنفسي، غير أنها مهما تعددت فإنها لاتخرج عن مساحة جسد الكاتب مهما كانت غايات هذا الجسد المعلنة والخفية» كما يقول الكاتب محمد نور الدين، وهي محاولة للتحول إلى الآخر أو من حال إلى حال أو محاولة الانتقال من واقع إلى آخر مغاير «الكتابة افتراق مع الآخر وارتماء في آخر مغاير بواسطة الكلمات»، نجد أن الكاتبة أظهرت هذه المعاني بوضوح في هذه القصة التي نحن بصددها الآن.. وهذا هو الدافع وراء القول أن الكاتبة أسقطت عالمها الذي نعيشه الآن على عالم متخيل تتحقق فيه كل الرغبات والأمنيات الكامنة في النفس والداعية إلى التغيير وتنتفي وفيه صفات الواقع غير الحميدة والتي من أجلها وتعبيراً عن رفضها الكاتبة، كان الإسقاط.
الزمان في القصة ممتد على مدى عشر سنوات وجاءت كل سنة حسب أسبقيتها الزمنية والحدثية أيضاً بمعنى أن الزمان جاء تراتيبياً ومتوالياً، فلم تسبق سنة متأخرة في ترتيبها سنة قبلها وتوافق هذا مع طبيعة القصة.
المكان وإن بدا للوهلة الأولى أن هذه الغرفة الممتلئة، إلا أنه تمدد حتى عم العالم.. وما الغرفة وما الإشارة إلى إمتلائها بكل شيء إلا رمز وتمثيل مبسط لهذا العالم الذي تجرى أحداث القصة فيه «...... غرفتي المليئة بالتحف والصور والكتب والكاستات والصحف ووو وكل شيء» عبارة «وكل شيء» وإن جاءت فضفاضة بحيث لاتحتملها الغرفة بمساحتها المحصورة والضيقة والتي يصعب قبولها إلا إذا نحونا المنحى الوحيد الذي ذكرناه: هو أن الغرفة هي الدُن الذي صب فيه العالم كل أشيائه.
وتيرة الأحداث في إرتفاع في كل فصل... أي إيقاع الأحداث متنام إلى أن وصل الذروة في العام التاسع عندما فقأت الراوية عينيها.. فقد الرواية لعيونها باختيارها هو دلالة على التضحية من أجل بقاء العالم.. عالم الريانة وهذه آخر قيمة نستلهمها من القيم الكثيرة الجميلة التي قالتها القصة «... أخرى فقررت أن افقأهما من أجل بقاء عالمنا، عالم الريانة..»
قبل لحظة إتخاذ القرار تقارن الرواية بين أمرين، الوحدة أو الصُحبة، فتختار الثاني ودافعها هو الحنين إلى الأم والأب والأخ والحبيب والذين لم تلتهمهم إلا لحبها لهم وخوفها عليهم من هذا العالم «... وكان أن يحدث أحد أمرين إما أن التهم المرآة فتنتقل إلى عالمي وأظل وحيدة إلى ما لانهاية وإما أن التهم نفسي عبر المرآة فأرتمي في أحضان أمي وأبي وشقيقي و«...» وهو الأكثر شوقاً إلي».
السرد في القصة سرد ذاتي، والسرد الذاتي هو الأكثر إقناعاً بالنسبة للقارئ والأكثر صدقاً، فالراوي فيه يحكي عن واقع هو عاشه ولايحكي عن واقع سمع عنه والقارئ كما نعرف يصدق التجربة المحكى عنها.. أما اللغة فهي لغة متزنة لم تجنح إلى اللغة الشاعرية والتي تفقد سمتها في أنها قصة مبنية على حدث والتي ينتقدها الكثيرون اللغة الشاعرية.
القصة وإن جنحت للخيال فإنها لم تغفل الجانب الدلالي «.... فطالما رأيت أن الورد هو الجمال الذي يسكنا وهو الشيء الوحيد الذي لايستطيع المرء أن يبغضه، مددت يدي لألملم تلك الاشلاء إلا أنها اختفت فجأة.. لقد التهمتها عيناي» هنا تصريح إن أبرز عناصر العالم الجديد المتخيل "عالم الريانة" وأول دعائمه هو الجمال والوردة تدل على الجمال الطبيعي والتهام الوردة يضع في أذهاننا صورة للعالم الجديد وهو مليء بالورود وبالتالي جمال طبيعته من طبيعة جمال الوردة، وهذه دلالة على أن عالم اليوم يفتقد الجمال..
أرادت الراوية أن تقول لنا: أن الفرح في عالمنا الحالي غير مكتمل وأن إحساسنا به مشروخ «... فقد كنت عروساً بلا أسنان كما كان رجلي عريساً بلا ملامح، عام كامل قررت العاصفة أن أكون فيه صورة ممزقة لعروس يؤطرها برواز مشروخ»، حتى المرآة المتسخة ثالثة الثلاثة المتبقين تدل على تخبط هذا العالم لعدم وضوح الرؤية.. تدل على أننا لانرى أنفسنا كما هي على حقيقتها لأننا نراها من خلال مرآة متسخة لاتقول الحقيقة كما هي.. لايعني هذا لو أن المرآة نظيفة فإنها تعطينا صورة أكثر جمالاً، بل صورة أكثر وضوحاً؛ على حقيقتها دون تجّمل، أي أننا الآن نعيش بشخصيات ليست لنا ولانرى أنفسنا على حقيقتها، هذا الواقع مرفوض بالنسبة للراوية لأنها عندما أرادت أن تختار بين أن تلتهم المرآة أو تفقأ عينيها اختارت الثانية لأنها لاتريد في عالمها مرآة متسخة تغيّب أناسه عن حقيقتهم وتطمس رؤياهم، لذلك تركتها في العالم «الغرفة» ولم تصحبها إلى "عالم الريانة"..
القصة في مجملها جيدة من حيث الفكرة والمعالجة وقوية من حيث الدلالات، ولكن هناك بعض الملاحظات الطفيفة التي نالت قليلاً من البناء الفني للقصة والتي رأينا تسليط الضوء عليها.
تدخل الكاتبة في بعض الأحيان في النص مما يؤدي إلى توجيه القارئ إلى منحى معين تريد الكاتبة أن توصله إليه، بحيث أنها لاتتركه يكتشف الأشياء بنفسه من خلال قراءته للنص، وهذا نوع ما تعدى على حرية القارئ لانه يفهم ماتريد له أن يفهمه وتقطع عليه الطريق للوصول إلى ماوراء النص بنفسه، فالقارئ يستمتع دائماً بالقراءة التي يكتشف فيها ما وراء النص بنفسه حتى لو كان غير ما أراده الكاتب وهذا جانب من جوانب "نظرية التلقي" في الأدب العربي الحديث.. لنورد مثالاً:
«... يجب أن تكونوا على يقين بأن أي عالم يبدأ بوردة كعالمنا هذا هو عالمٍ خالٍ من الزيف وخالٍ من القبح لأن الجمال هو لغة البسطاء والأمناء وهو مرادف للإنسان، ذلك الإنسان الذي كان..» أرى أن هذا تدخلاً من الكاتبة فالقارئ ذكي ويمكنه أن يكتشف أن العالم بدأ بوردة عندما التهمتها عيون الرواية، وإن لم يكن ذكياً ليكتشف هذا بنفسه فإن الراوية أشارت بل صرحت له بهذا عندما قالت: «كانت الوردة هي الملهم وهي الرمز ولأنها كذلك فقد كانت بداية لعالم جميل».
القصة القصيرة كما نعرف تعتمد على الإيجاز والتكثيف فلا تعتمد على التفاصيل كما في الرواية، في بداية العام السادس فقرة كاملة أقحمت في القصة «بعد أن أصر شقيقي على...إلخ» يمكن الاستغناء عن هذه الفقرة تماماً ودون أن يؤثر هذا في أحداث القصة بل يفيد في البناء يمكن أن يبدأ الفصل ب «العاصفة بدأت هذه المرة...» هذه الفقرة هي عبارة عن مقدمة للفصل السادس فقط والقصة القصيرة لاتحتمل هذا.
هناك جمل زائدة منغرزة في النص والجمل الزائدة تضعف القصة نوعاً ما مثل: «....لايهم ولكن الأهم هو العام السادس من أعوام...إلخ».
إنتهاء الصل عند كلمة «الصورة» أقوى فهذه جملة زائدة لم تضف للقارئ شيئاً، و«.... وكان هذا دليل على عظمتي كما تعلمون» و«جيد تتذكرونها إذن» و«البداية كانت عالمكم هذا... أو عقبال مئات السنين» و«... بالضبط هم فرسان البكاء على الاطلال».
العام أو الفصل العاشر جاء قائماً بذاته بعيداً عن أحداث القصة وإن كان هو ملخصاً لها، هذا مضمونه أما من ناحية البناء الفني فقد جاء الفصل مباشراً تقريراً أقرب إلى المقال وقد أضعف هذا القصة نوعاً ما أو بتعبير أدق أضعف نهاية القصة جاء الفصل بشكل خطابي واعظ «العالم يا أبنائي هو إنسان كبير يضم كل البشر... إلخ» ولو جاءت النهاية حدثية لكان هذا في صالح القصة أكثر، مثلاً لو إنتهت القصة بنهاية الفصل التاسع عندما فقأت الراوية عينيها، أرى من وجهة نظري المتواضعة أن هذه نهاية قوية جداً وممتعة للقارئ عندما شارك هو في هذه القصة باكتشافه ما وراء النص ووصوله إلى المدلول.. على هذا طبعاً تنتفي وظيفة الجملة «فكانت هذه الخطبة التي تؤرخ للإنسان تاريخ عالمه الجديد» في بداية القصة.
النص الجيد يستوعب كل القراءات وتعدد القراءات بتعدد القراء هو أكبر دليل على جودته وإبداع الكاتب.
هذه بعض قراءة لقصة «15 ديسمبر» القصة المحتشدة بالصور والخيال والحركة.
القصة جميلة جداً فكرة ودلالياً ككل قصص القاصة ريّا أحمد وإن كانت هناك بعض الملاحظات فهي تعود فقط للفترة الزمنية التي كتبت فيها لأنها منذ أكثر من عام كما أعرف، علماً بأن للكاتبة قصصاً لو شرحناها فلن نجد أية ملاحظة عليها.. لأنها قصص قوية من جوانبها الفنية والدلالية والجوانب الأخرى...
تمنياتي أن أقرأ لها المزيد والمزيد والمزيد
وبالتوفيق إن شاء الله - أديبة سودانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.