الرياض: تحركات مليشيا الانتقالي تصعيد غير مبرر وتمت دون التنسيق معنا    بن حبريش وحلفه ومصافي وادي حضرموت الصامتة: شعارات عامة ومصالح خاصة    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    قتلى وجرحى باشتباكات بين فصائل المرتزقة بحضرموت    شرعية "الروم سيرفس": بيع الوطن بنظام التعهيد    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    سلامة قلبك يا حاشد    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    فتح ذمار يفوز على فريق 22 مايو واتحاد حضرموت يعتلي صدارة المجموعة الثالثة في دوري الدرجة الثانية    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    سوريا.. قوة إسرائيلية تتوغل بريف درعا وتعتقل شابين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة 15 ديسمبر للقاصة ريَّا أحمد
رؤية نقدية
نشر في الجمهورية يوم 31 - 01 - 2007

رانيا مأمون15 ديسمبر قصة يلعب فيها الخيال بوقائعه المتخيلة دوراً أساسياً في كل أجزاء القصة عدا الجزء الأخير «العام العاشر».. ونلمح تناصاً مع بعض قصص الكاتبة نفسها مثل «مستشفى 2000 وضحكات تلتهم العالم».
قامت الكاتبة بعملية إسقاط لواقع العالم على أحداث القصة معبرة بطريقتها الخاصة على ثورتها وعدم تقبلها لعالم اليوم، فابتدعت عالماً متخيلاً هو أقرب إلى المدينة الفاضلة.
ولأن الكتابة إنفعال ومحاولة لإخراج كوامن النفس ورغباتها.. أحزانها.. أحلامها وأمانيها هي: «تفجير لمكبوتات أشياء الجسد، فالكتابة فعل متعدد الإمتدادات والانحناءات، تكثف الحضاري والثقافي والاجتماعي والأيدلوجي والنفسي، غير أنها مهما تعددت فإنها لاتخرج عن مساحة جسد الكاتب مهما كانت غايات هذا الجسد المعلنة والخفية» كما يقول الكاتب محمد نور الدين، وهي محاولة للتحول إلى الآخر أو من حال إلى حال أو محاولة الانتقال من واقع إلى آخر مغاير «الكتابة افتراق مع الآخر وارتماء في آخر مغاير بواسطة الكلمات»، نجد أن الكاتبة أظهرت هذه المعاني بوضوح في هذه القصة التي نحن بصددها الآن.. وهذا هو الدافع وراء القول أن الكاتبة أسقطت عالمها الذي نعيشه الآن على عالم متخيل تتحقق فيه كل الرغبات والأمنيات الكامنة في النفس والداعية إلى التغيير وتنتفي وفيه صفات الواقع غير الحميدة والتي من أجلها وتعبيراً عن رفضها الكاتبة، كان الإسقاط.
الزمان في القصة ممتد على مدى عشر سنوات وجاءت كل سنة حسب أسبقيتها الزمنية والحدثية أيضاً بمعنى أن الزمان جاء تراتيبياً ومتوالياً، فلم تسبق سنة متأخرة في ترتيبها سنة قبلها وتوافق هذا مع طبيعة القصة.
المكان وإن بدا للوهلة الأولى أن هذه الغرفة الممتلئة، إلا أنه تمدد حتى عم العالم.. وما الغرفة وما الإشارة إلى إمتلائها بكل شيء إلا رمز وتمثيل مبسط لهذا العالم الذي تجرى أحداث القصة فيه «...... غرفتي المليئة بالتحف والصور والكتب والكاستات والصحف ووو وكل شيء» عبارة «وكل شيء» وإن جاءت فضفاضة بحيث لاتحتملها الغرفة بمساحتها المحصورة والضيقة والتي يصعب قبولها إلا إذا نحونا المنحى الوحيد الذي ذكرناه: هو أن الغرفة هي الدُن الذي صب فيه العالم كل أشيائه.
وتيرة الأحداث في إرتفاع في كل فصل... أي إيقاع الأحداث متنام إلى أن وصل الذروة في العام التاسع عندما فقأت الراوية عينيها.. فقد الرواية لعيونها باختيارها هو دلالة على التضحية من أجل بقاء العالم.. عالم الريانة وهذه آخر قيمة نستلهمها من القيم الكثيرة الجميلة التي قالتها القصة «... أخرى فقررت أن افقأهما من أجل بقاء عالمنا، عالم الريانة..»
قبل لحظة إتخاذ القرار تقارن الرواية بين أمرين، الوحدة أو الصُحبة، فتختار الثاني ودافعها هو الحنين إلى الأم والأب والأخ والحبيب والذين لم تلتهمهم إلا لحبها لهم وخوفها عليهم من هذا العالم «... وكان أن يحدث أحد أمرين إما أن التهم المرآة فتنتقل إلى عالمي وأظل وحيدة إلى ما لانهاية وإما أن التهم نفسي عبر المرآة فأرتمي في أحضان أمي وأبي وشقيقي و«...» وهو الأكثر شوقاً إلي».
السرد في القصة سرد ذاتي، والسرد الذاتي هو الأكثر إقناعاً بالنسبة للقارئ والأكثر صدقاً، فالراوي فيه يحكي عن واقع هو عاشه ولايحكي عن واقع سمع عنه والقارئ كما نعرف يصدق التجربة المحكى عنها.. أما اللغة فهي لغة متزنة لم تجنح إلى اللغة الشاعرية والتي تفقد سمتها في أنها قصة مبنية على حدث والتي ينتقدها الكثيرون اللغة الشاعرية.
القصة وإن جنحت للخيال فإنها لم تغفل الجانب الدلالي «.... فطالما رأيت أن الورد هو الجمال الذي يسكنا وهو الشيء الوحيد الذي لايستطيع المرء أن يبغضه، مددت يدي لألملم تلك الاشلاء إلا أنها اختفت فجأة.. لقد التهمتها عيناي» هنا تصريح إن أبرز عناصر العالم الجديد المتخيل "عالم الريانة" وأول دعائمه هو الجمال والوردة تدل على الجمال الطبيعي والتهام الوردة يضع في أذهاننا صورة للعالم الجديد وهو مليء بالورود وبالتالي جمال طبيعته من طبيعة جمال الوردة، وهذه دلالة على أن عالم اليوم يفتقد الجمال..
أرادت الراوية أن تقول لنا: أن الفرح في عالمنا الحالي غير مكتمل وأن إحساسنا به مشروخ «... فقد كنت عروساً بلا أسنان كما كان رجلي عريساً بلا ملامح، عام كامل قررت العاصفة أن أكون فيه صورة ممزقة لعروس يؤطرها برواز مشروخ»، حتى المرآة المتسخة ثالثة الثلاثة المتبقين تدل على تخبط هذا العالم لعدم وضوح الرؤية.. تدل على أننا لانرى أنفسنا كما هي على حقيقتها لأننا نراها من خلال مرآة متسخة لاتقول الحقيقة كما هي.. لايعني هذا لو أن المرآة نظيفة فإنها تعطينا صورة أكثر جمالاً، بل صورة أكثر وضوحاً؛ على حقيقتها دون تجّمل، أي أننا الآن نعيش بشخصيات ليست لنا ولانرى أنفسنا على حقيقتها، هذا الواقع مرفوض بالنسبة للراوية لأنها عندما أرادت أن تختار بين أن تلتهم المرآة أو تفقأ عينيها اختارت الثانية لأنها لاتريد في عالمها مرآة متسخة تغيّب أناسه عن حقيقتهم وتطمس رؤياهم، لذلك تركتها في العالم «الغرفة» ولم تصحبها إلى "عالم الريانة"..
القصة في مجملها جيدة من حيث الفكرة والمعالجة وقوية من حيث الدلالات، ولكن هناك بعض الملاحظات الطفيفة التي نالت قليلاً من البناء الفني للقصة والتي رأينا تسليط الضوء عليها.
تدخل الكاتبة في بعض الأحيان في النص مما يؤدي إلى توجيه القارئ إلى منحى معين تريد الكاتبة أن توصله إليه، بحيث أنها لاتتركه يكتشف الأشياء بنفسه من خلال قراءته للنص، وهذا نوع ما تعدى على حرية القارئ لانه يفهم ماتريد له أن يفهمه وتقطع عليه الطريق للوصول إلى ماوراء النص بنفسه، فالقارئ يستمتع دائماً بالقراءة التي يكتشف فيها ما وراء النص بنفسه حتى لو كان غير ما أراده الكاتب وهذا جانب من جوانب "نظرية التلقي" في الأدب العربي الحديث.. لنورد مثالاً:
«... يجب أن تكونوا على يقين بأن أي عالم يبدأ بوردة كعالمنا هذا هو عالمٍ خالٍ من الزيف وخالٍ من القبح لأن الجمال هو لغة البسطاء والأمناء وهو مرادف للإنسان، ذلك الإنسان الذي كان..» أرى أن هذا تدخلاً من الكاتبة فالقارئ ذكي ويمكنه أن يكتشف أن العالم بدأ بوردة عندما التهمتها عيون الرواية، وإن لم يكن ذكياً ليكتشف هذا بنفسه فإن الراوية أشارت بل صرحت له بهذا عندما قالت: «كانت الوردة هي الملهم وهي الرمز ولأنها كذلك فقد كانت بداية لعالم جميل».
القصة القصيرة كما نعرف تعتمد على الإيجاز والتكثيف فلا تعتمد على التفاصيل كما في الرواية، في بداية العام السادس فقرة كاملة أقحمت في القصة «بعد أن أصر شقيقي على...إلخ» يمكن الاستغناء عن هذه الفقرة تماماً ودون أن يؤثر هذا في أحداث القصة بل يفيد في البناء يمكن أن يبدأ الفصل ب «العاصفة بدأت هذه المرة...» هذه الفقرة هي عبارة عن مقدمة للفصل السادس فقط والقصة القصيرة لاتحتمل هذا.
هناك جمل زائدة منغرزة في النص والجمل الزائدة تضعف القصة نوعاً ما مثل: «....لايهم ولكن الأهم هو العام السادس من أعوام...إلخ».
إنتهاء الصل عند كلمة «الصورة» أقوى فهذه جملة زائدة لم تضف للقارئ شيئاً، و«.... وكان هذا دليل على عظمتي كما تعلمون» و«جيد تتذكرونها إذن» و«البداية كانت عالمكم هذا... أو عقبال مئات السنين» و«... بالضبط هم فرسان البكاء على الاطلال».
العام أو الفصل العاشر جاء قائماً بذاته بعيداً عن أحداث القصة وإن كان هو ملخصاً لها، هذا مضمونه أما من ناحية البناء الفني فقد جاء الفصل مباشراً تقريراً أقرب إلى المقال وقد أضعف هذا القصة نوعاً ما أو بتعبير أدق أضعف نهاية القصة جاء الفصل بشكل خطابي واعظ «العالم يا أبنائي هو إنسان كبير يضم كل البشر... إلخ» ولو جاءت النهاية حدثية لكان هذا في صالح القصة أكثر، مثلاً لو إنتهت القصة بنهاية الفصل التاسع عندما فقأت الراوية عينيها، أرى من وجهة نظري المتواضعة أن هذه نهاية قوية جداً وممتعة للقارئ عندما شارك هو في هذه القصة باكتشافه ما وراء النص ووصوله إلى المدلول.. على هذا طبعاً تنتفي وظيفة الجملة «فكانت هذه الخطبة التي تؤرخ للإنسان تاريخ عالمه الجديد» في بداية القصة.
النص الجيد يستوعب كل القراءات وتعدد القراءات بتعدد القراء هو أكبر دليل على جودته وإبداع الكاتب.
هذه بعض قراءة لقصة «15 ديسمبر» القصة المحتشدة بالصور والخيال والحركة.
القصة جميلة جداً فكرة ودلالياً ككل قصص القاصة ريّا أحمد وإن كانت هناك بعض الملاحظات فهي تعود فقط للفترة الزمنية التي كتبت فيها لأنها منذ أكثر من عام كما أعرف، علماً بأن للكاتبة قصصاً لو شرحناها فلن نجد أية ملاحظة عليها.. لأنها قصص قوية من جوانبها الفنية والدلالية والجوانب الأخرى...
تمنياتي أن أقرأ لها المزيد والمزيد والمزيد
وبالتوفيق إن شاء الله - أديبة سودانية15 ديسمبر قصة يلعب فيها الخيال بوقائعه المتخيلة دوراً أساسياً في كل أجزاء القصة عدا الجزء الأخير «العام العاشر».. ونلمح تناصاً مع بعض قصص الكاتبة نفسها مثل «مستشفى 2000 وضحكات تلتهم العالم».
قامت الكاتبة بعملية إسقاط لواقع العالم على أحداث القصة معبرة بطريقتها الخاصة على ثورتها وعدم تقبلها لعالم اليوم، فابتدعت عالماً متخيلاً هو أقرب إلى المدينة الفاضلة.
ولأن الكتابة إنفعال ومحاولة لإخراج كوامن النفس ورغباتها.. أحزانها.. أحلامها وأمانيها هي: «تفجير لمكبوتات أشياء الجسد، فالكتابة فعل متعدد الإمتدادات والانحناءات، تكثف الحضاري والثقافي والاجتماعي والأيدلوجي والنفسي، غير أنها مهما تعددت فإنها لاتخرج عن مساحة جسد الكاتب مهما كانت غايات هذا الجسد المعلنة والخفية» كما يقول الكاتب محمد نور الدين، وهي محاولة للتحول إلى الآخر أو من حال إلى حال أو محاولة الانتقال من واقع إلى آخر مغاير «الكتابة افتراق مع الآخر وارتماء في آخر مغاير بواسطة الكلمات»، نجد أن الكاتبة أظهرت هذه المعاني بوضوح في هذه القصة التي نحن بصددها الآن.. وهذا هو الدافع وراء القول أن الكاتبة أسقطت عالمها الذي نعيشه الآن على عالم متخيل تتحقق فيه كل الرغبات والأمنيات الكامنة في النفس والداعية إلى التغيير وتنتفي وفيه صفات الواقع غير الحميدة والتي من أجلها وتعبيراً عن رفضها الكاتبة، كان الإسقاط.
الزمان في القصة ممتد على مدى عشر سنوات وجاءت كل سنة حسب أسبقيتها الزمنية والحدثية أيضاً بمعنى أن الزمان جاء تراتيبياً ومتوالياً، فلم تسبق سنة متأخرة في ترتيبها سنة قبلها وتوافق هذا مع طبيعة القصة.
المكان وإن بدا للوهلة الأولى أن هذه الغرفة الممتلئة، إلا أنه تمدد حتى عم العالم.. وما الغرفة وما الإشارة إلى إمتلائها بكل شيء إلا رمز وتمثيل مبسط لهذا العالم الذي تجرى أحداث القصة فيه «...... غرفتي المليئة بالتحف والصور والكتب والكاستات والصحف ووو وكل شيء» عبارة «وكل شيء» وإن جاءت فضفاضة بحيث لاتحتملها الغرفة بمساحتها المحصورة والضيقة والتي يصعب قبولها إلا إذا نحونا المنحى الوحيد الذي ذكرناه: هو أن الغرفة هي الدُن الذي صب فيه العالم كل أشيائه.
وتيرة الأحداث في إرتفاع في كل فصل... أي إيقاع الأحداث متنام إلى أن وصل الذروة في العام التاسع عندما فقأت الراوية عينيها.. فقد الرواية لعيونها باختيارها هو دلالة على التضحية من أجل بقاء العالم.. عالم الريانة وهذه آخر قيمة نستلهمها من القيم الكثيرة الجميلة التي قالتها القصة «... أخرى فقررت أن افقأهما من أجل بقاء عالمنا، عالم الريانة..»
قبل لحظة إتخاذ القرار تقارن الرواية بين أمرين، الوحدة أو الصُحبة، فتختار الثاني ودافعها هو الحنين إلى الأم والأب والأخ والحبيب والذين لم تلتهمهم إلا لحبها لهم وخوفها عليهم من هذا العالم «... وكان أن يحدث أحد أمرين إما أن التهم المرآة فتنتقل إلى عالمي وأظل وحيدة إلى ما لانهاية وإما أن التهم نفسي عبر المرآة فأرتمي في أحضان أمي وأبي وشقيقي و«...» وهو الأكثر شوقاً إلي».
السرد في القصة سرد ذاتي، والسرد الذاتي هو الأكثر إقناعاً بالنسبة للقارئ والأكثر صدقاً، فالراوي فيه يحكي عن واقع هو عاشه ولايحكي عن واقع سمع عنه والقارئ كما نعرف يصدق التجربة المحكى عنها.. أما اللغة فهي لغة متزنة لم تجنح إلى اللغة الشاعرية والتي تفقد سمتها في أنها قصة مبنية على حدث والتي ينتقدها الكثيرون اللغة الشاعرية.
القصة وإن جنحت للخيال فإنها لم تغفل الجانب الدلالي «.... فطالما رأيت أن الورد هو الجمال الذي يسكنا وهو الشيء الوحيد الذي لايستطيع المرء أن يبغضه، مددت يدي لألملم تلك الاشلاء إلا أنها اختفت فجأة.. لقد التهمتها عيناي» هنا تصريح إن أبرز عناصر العالم الجديد المتخيل "عالم الريانة" وأول دعائمه هو الجمال والوردة تدل على الجمال الطبيعي والتهام الوردة يضع في أذهاننا صورة للعالم الجديد وهو مليء بالورود وبالتالي جمال طبيعته من طبيعة جمال الوردة، وهذه دلالة على أن عالم اليوم يفتقد الجمال..
أرادت الراوية أن تقول لنا: أن الفرح في عالمنا الحالي غير مكتمل وأن إحساسنا به مشروخ «... فقد كنت عروساً بلا أسنان كما كان رجلي عريساً بلا ملامح، عام كامل قررت العاصفة أن أكون فيه صورة ممزقة لعروس يؤطرها برواز مشروخ»، حتى المرآة المتسخة ثالثة الثلاثة المتبقين تدل على تخبط هذا العالم لعدم وضوح الرؤية.. تدل على أننا لانرى أنفسنا كما هي على حقيقتها لأننا نراها من خلال مرآة متسخة لاتقول الحقيقة كما هي.. لايعني هذا لو أن المرآة نظيفة فإنها تعطينا صورة أكثر جمالاً، بل صورة أكثر وضوحاً؛ على حقيقتها دون تجّمل، أي أننا الآن نعيش بشخصيات ليست لنا ولانرى أنفسنا على حقيقتها، هذا الواقع مرفوض بالنسبة للراوية لأنها عندما أرادت أن تختار بين أن تلتهم المرآة أو تفقأ عينيها اختارت الثانية لأنها لاتريد في عالمها مرآة متسخة تغيّب أناسه عن حقيقتهم وتطمس رؤياهم، لذلك تركتها في العالم «الغرفة» ولم تصحبها إلى "عالم الريانة"..
القصة في مجملها جيدة من حيث الفكرة والمعالجة وقوية من حيث الدلالات، ولكن هناك بعض الملاحظات الطفيفة التي نالت قليلاً من البناء الفني للقصة والتي رأينا تسليط الضوء عليها.
تدخل الكاتبة في بعض الأحيان في النص مما يؤدي إلى توجيه القارئ إلى منحى معين تريد الكاتبة أن توصله إليه، بحيث أنها لاتتركه يكتشف الأشياء بنفسه من خلال قراءته للنص، وهذا نوع ما تعدى على حرية القارئ لانه يفهم ماتريد له أن يفهمه وتقطع عليه الطريق للوصول إلى ماوراء النص بنفسه، فالقارئ يستمتع دائماً بالقراءة التي يكتشف فيها ما وراء النص بنفسه حتى لو كان غير ما أراده الكاتب وهذا جانب من جوانب "نظرية التلقي" في الأدب العربي الحديث.. لنورد مثالاً:
«... يجب أن تكونوا على يقين بأن أي عالم يبدأ بوردة كعالمنا هذا هو عالمٍ خالٍ من الزيف وخالٍ من القبح لأن الجمال هو لغة البسطاء والأمناء وهو مرادف للإنسان، ذلك الإنسان الذي كان..» أرى أن هذا تدخلاً من الكاتبة فالقارئ ذكي ويمكنه أن يكتشف أن العالم بدأ بوردة عندما التهمتها عيون الرواية، وإن لم يكن ذكياً ليكتشف هذا بنفسه فإن الراوية أشارت بل صرحت له بهذا عندما قالت: «كانت الوردة هي الملهم وهي الرمز ولأنها كذلك فقد كانت بداية لعالم جميل».
القصة القصيرة كما نعرف تعتمد على الإيجاز والتكثيف فلا تعتمد على التفاصيل كما في الرواية، في بداية العام السادس فقرة كاملة أقحمت في القصة «بعد أن أصر شقيقي على...إلخ» يمكن الاستغناء عن هذه الفقرة تماماً ودون أن يؤثر هذا في أحداث القصة بل يفيد في البناء يمكن أن يبدأ الفصل ب «العاصفة بدأت هذه المرة...» هذه الفقرة هي عبارة عن مقدمة للفصل السادس فقط والقصة القصيرة لاتحتمل هذا.
هناك جمل زائدة منغرزة في النص والجمل الزائدة تضعف القصة نوعاً ما مثل: «....لايهم ولكن الأهم هو العام السادس من أعوام...إلخ».
إنتهاء الصل عند كلمة «الصورة» أقوى فهذه جملة زائدة لم تضف للقارئ شيئاً، و«.... وكان هذا دليل على عظمتي كما تعلمون» و«جيد تتذكرونها إذن» و«البداية كانت عالمكم هذا... أو عقبال مئات السنين» و«... بالضبط هم فرسان البكاء على الاطلال».
العام أو الفصل العاشر جاء قائماً بذاته بعيداً عن أحداث القصة وإن كان هو ملخصاً لها، هذا مضمونه أما من ناحية البناء الفني فقد جاء الفصل مباشراً تقريراً أقرب إلى المقال وقد أضعف هذا القصة نوعاً ما أو بتعبير أدق أضعف نهاية القصة جاء الفصل بشكل خطابي واعظ «العالم يا أبنائي هو إنسان كبير يضم كل البشر... إلخ» ولو جاءت النهاية حدثية لكان هذا في صالح القصة أكثر، مثلاً لو إنتهت القصة بنهاية الفصل التاسع عندما فقأت الراوية عينيها، أرى من وجهة نظري المتواضعة أن هذه نهاية قوية جداً وممتعة للقارئ عندما شارك هو في هذه القصة باكتشافه ما وراء النص ووصوله إلى المدلول.. على هذا طبعاً تنتفي وظيفة الجملة «فكانت هذه الخطبة التي تؤرخ للإنسان تاريخ عالمه الجديد» في بداية القصة.
النص الجيد يستوعب كل القراءات وتعدد القراءات بتعدد القراء هو أكبر دليل على جودته وإبداع الكاتب.
هذه بعض قراءة لقصة «15 ديسمبر» القصة المحتشدة بالصور والخيال والحركة.
القصة جميلة جداً فكرة ودلالياً ككل قصص القاصة ريّا أحمد وإن كانت هناك بعض الملاحظات فهي تعود فقط للفترة الزمنية التي كتبت فيها لأنها منذ أكثر من عام كما أعرف، علماً بأن للكاتبة قصصاً لو شرحناها فلن نجد أية ملاحظة عليها.. لأنها قصص قوية من جوانبها الفنية والدلالية والجوانب الأخرى...
تمنياتي أن أقرأ لها المزيد والمزيد والمزيد
وبالتوفيق إن شاء الله - أديبة سودانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.