دعا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشباب بالانطلاق نحو المستقبل والتقدم نحو الاستقرار الأسري وبناء مساكنهم بتأن حتى لا يوقعوا أنفسهم في مشكلات وعثرات مادية، كما أوضح سموه تاريخ وطريقة هجرة كل من الشحوح والحبوس والظهوريين من دولة الأنباط وصولاً إلى المنطقة التي يسكنونها في الإمارات وسلطنة عمان . وقال صاحب السمو حاكم الشارقة في مداخلته الهاتفية مع المذيع عبدالله راشد بن خصيف مقدم برنامج "الرابعة والناس" عبر إذاعة وقناة عجمان أمس: "نحن نوصي من خلال هذا المنبر، الشباب أول خطوة تعملها في الدنيا، أن تكون مثل العصفور الصغير وكوّن عشاً، لذا نحن نقول له تعال وابنِ هذا البيت، الزوجة والأولاد والأسرة واستقر، لا تركض وتتعثر لأن هذه العثرات تتسبب في الإرهاق له ولنا كمسؤولين، فإذا تعثر شخص نساعده ولكن تعثر مجموعة يتسبب في فقد الأموال" . وأضاف: "إن الشباب فيهم الخير وأخذوا يكوّنون المساكن، فإذا نظرنا إلى كل من الرحمانية والسيوح التي امتلأت بالمنازل التي بنيت من قبل الشباب وبأموالهم والحمد لله هكذا الحياة، وعند متابعتنا ما يحدث في بعض البلدان من قتل ونهب والسحل والكلام والذكر السيئ وأمور أخرى، ونحن والحمد لله بلادنا بخير ونتمنى من الله الهداية لشبابنا، وإن شاء الله فيهم البركة وهم القادمون لبناء الدولة" . وأكد سموه أن الأنباط قدموا إلى دولة الإمارات قبل نحو أربعة آلاف عام من منطقة شرق الأردن عندما كانت هذه المنطقة خالية تماماً من السكان وهم أصل سكانها، وفقاً لدراسة سموه وبحثه في موضوع القبائل . وبين صاحب السمو حاكم الشارقة أن "منطقة شرق الأردن" التي قدم منها الأنباط هي أول منطقة بدأت بالتطور في تاريخ البشرية حتى قبل تطور الصين بآلاف السنين، مشيراً إلى أن القبائل التي أتت من هناك واستوطنت دولة الإمارات العربية المتحدة هي أصل التطور عندما كانت المنطقة خالية من السكان . وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة أن نتيجة هذا التطور الاجتماعي في منطقة شرق الأردن جعل الإنسان الموجود على تلك الأرض بدل أن يكون لاقطاً وجامعاً للثمار من تحت الشجر كان زارعاً لها وبدل أن يكون مصطاداً للحيوانات والدواجن كان يعمل على تربية الأغنام والماشية . وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة أنه نتيجة للتطور الحاصل في منطقة شرق الأردن ازدحم المكان وبدأت المنطقة بالتمدد وتكونت دولة الأنباط منذ نحو ستة آلاف سنة . وبيّن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أنه قبل أربعة آلاف سنة من هذا التاريخ عبرت هذه الأعداد من دولة الأنباط على طول ساحل جبال الحجاز حتى وصلت إلى دولة الامارات وعُمان، مؤكداً ان أصل سكان دولة الإمارات العربية المتحدة وهؤلاء الناس من هذه الدولة التي تسمى دولة الأنباط . ولفت صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أن هؤلاء الأنباط عندما حضروا إلى الإمارات جاؤوا بأمور كثيرة كانت موجودة في تلك المنطقة ونقلوها إلى هذا المكان الذي كان خالياً من البشر . وأكد صاحب السمو حاكم الشارقة أن عشائر الشحوح والحبوس أو الظهوريين هم أصل أهل دولة الإمارات العربية المتحدة الذين حضروا اليها قبل 4000 سنة عندما كانت المنطقة خالية من السكان . واستشهد صاحب السمو حاكم الشارقة ببعض الظواهر الأثرية التي تعتبر شواهد تاريخية على مجيء الأنباط وبقيت موجودة، مشيراً إلى أن القبور الموجودة في المنطقة هي قبور بحجرات رباعية بنفس النظام الموجود بشرق الأردن، وكذلك نظام الري الموجود في الامارات وشرق الأردن هو نفسه وهذا يسمى الداودي نسبة إلى داود بن سيمان . وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى بعض الروايات الخاطئة التي تتحدث عن أن مالك ابن فهم هو أصل سكان هذه المنطقة، بينما الحقائق التاريخية تشير إلى أنه وصل إلى هذه المنطقة قبل 2360 سنة بينما الأنباط موجودون في المنطقة قبله بنحو ألف و700 سنة، موضحاً أن مالك ابن فهم هو ازدي يمني وهناك اختلاف في الشكل والطبع واللسان . وقال صاحب السمو حاكم الشارقة إن الأنباط احتفظوا بلغتهم القديمة وهي اللغة العربية القديمة وهي نفسها التي يتحدثون بها واستطاعوا الحفاظ عليها بسبب انعزالهم . وأردف صاحب السمو حاكم الشارقة أنه عندما أتى مالك ابن فهم إلى المنطقة كانت قبائل الأنباط هي الحاكمة، وبعد ذلك منهم من عاد إلى شرق الأردن ولجأ بعضهم إلى الجبال . وأضاف أن من أتوا من اليمن هم من العرب أيضاً، مشيراً إلى أنه يقال في التاريخ إن عرب عمان "استنبطوا" أي صاروا أنباطاً ومنها يأتي الشعر النبطي غير الموجود أصلاً في الدول العربية أو الألسن العربية الأخرى بينما هو لسان آخر يسمى النبطي ولا يوجد هذا الشعر في الجزيرة العربية . وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أن القبائل الأخرى أتت إلى المنطقة قبل وبعد وصول الإسلام بفترة . وتحدث صاحب السمو حاكم الشارقة عن أصول تسمية العشائر العائدة إلى الأنباط، مبيناً أن الحبوس سموا بذلك كونهم انحبسوا في الجبال، بينما الظهوريون أطلقت عليهم هذه التسمية كونهم أظهروا الزكاة عند جبايتها، والشحوح أطلقت عليهم هذه التسمية لأنهم شحوا بالزكاة بعد حادثة تعلقت بضرب امرأة منهم رفضت إعطاء الزكاة، مؤكداً سموه أن ما قيل عن الشحوح انهم ردة عُمان هو كلام خال من الصحة . ووصف صاحب السمو حاكم الشارقة طريق الأنباط عند قدومهم إلى الإمارات الذي اتبعوه، مشيراً إلى أنهم لم يقطعوا الصحراء لعدم وجود الماء فجاؤوا عن طريق جبال تبوك ووصلوا إلى الحجاز ومن الحجاز أتوا إلى هنا، مشيراً إلى أنه خلال طريق الأنباط دخلوا إلى اليمن وامتزجوا بهم وعند تحليل دم عرب الجزيرة العربية يرجع أصلهم إلى الأنباط اختلفوا لأنهم استوطنوا أماكن أخرى ممن تخلفوا في الطريق . ومن الشواهد التي تؤكد صحة الأصول العائدة إلى الأنباط التي تحدث عنها صاحب السمو حاكم الشارقة عند أخذ عينات أهالي منطقة الجزيرة العربية وتحليلها عن طريق ال"دي إن إيه" يتبين أنها تعود إلى الأنباط خاصة أنهم استوطنوا أماكن أخرى نتيجة تخلفهم في الطريق خلال مجيئهم للدولة . وكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة قد تحدث في وقت سابق عن مراحل الاستيطان البشري في جزيرة العرب قائلاً "كانت المنطقة متصلة بإفريقيا ويقال إن الوجود البشري كان متمحوراً في إثيوبيا، وأجريت دراسات كثيرة وعميقة حول الاستيطان البشري، وتم العثور على بعض الآثار في مليحة مشابهة لتلك الموجودة في إثيوبيا، وهذا يشير إلى أن الإنسان عبر من هذه المنطقة ثم انتقل إلى آسيا" . وأضاف سموه "الانسان قديماً كان صائداً لاقطاً، يصطاد الحيوانات ويلقط ما يقع من الأشجار، إلا أنه وبعد فترة أصبحت هناك مجتمعات متحضرة وبدأ ظهور أولى تلك المجتمعات في منطقة الهلال الخصيب - المتاخمة للحدود الجنوبية من بلاد الشام شمال جزيرة العرب حيث نقطة الارتباط والتواصل بين الجزيرة وآسيا، تكونت فيها شعوب طورت نفسها بحيث انها استبدلت الصيد بالتدجين وجعلت الحيوانات أليفة داجنة، واستبدلت اللقط من تحت الأشجار بالزراعة وقطف الثمار، وفيها تكون أول مجتمع انساني على وجه الأرض، واستقطبت منطقة الهلال الخصيب كثيراً من الناس كونه المكان الأكثر وفرة لجميع متطلبات الحياة، إلا أن المنطقة لم تسع الكميات المتزايدة من البشر فخرجت مجموعات متجهة إلى الحجاز (مكة والمدينة) ومجموعات أخرى واصلت مسيرها إلى سواحل الخليج العربي" . وأردف صاحب السمو قائلاً "أتت للمنطقة شعوب أخرى غير تلك التي قدمت من الهلال الخصيب، حيث كان للفرس تأثير وسيطرة على هذه المنطقة إلى أن أتى اسكندر المقدوني واحتل المنطقة، وشهدت المنطقة قبل ذلك ظهور مالك بن فهر وهو ازدي وانتقل بجماعته إلى أن وصل الساحل الشرقي من جزيرة العرب وطلب الاستقرار لكنهم حاربوه وانتصر عليهم بسبب انهيار الساسانيين فبقيت هذه المنطقة مسيطراً عليها من هذه الناحية حيث دبا، وأغلب الآثار الموجودة فيها رومانية حتى إن قالب صب العملة البيزنطية موجود حفر عليه شعار الاسكندر الأكبر . كما كانت هناك مملكة كبيرة في بلاد الشام اتسعت إلى أن وصلت إلى سواحل الخليج العربي في هذه المنطقة في عام 272 للميلاد تدعى تدمر وهي عربية وملكتهم زنوبيا، أنشأت الموانئ في السواحل الشرقية للجزيرة واتصلت بالهند واصبحت قوتها تضاهي قوة الرومان، وما زالت آثارها قائمة في رأس الخيمة كقصر الزباء . وتسمى قبائل المنطقة التي تقع تحت حكم مملكة تدمر بالأنباط ولا بد أن يكون من بينهم أحد من جماعتها حتى اليوم، فبعد سقوط المملكة جراء ما جلبته على الرومان والفرس من قطع اتصال بالشرق انتقلت قبائل الأنباط إلى العيش في الجبال وهم من يعرفون بالشحوح والحبوس والظهوريين وهم قبائل عربية من الشام . وفي دراسة لي حول هذا المبحث تبين لي أن هناك أفلاجاً صممت على أساس كونها مجاري مائية وأنابيب تقطع الجبال والمرتفعات والوديان تسمى (فلج داؤودي) توجد في المنطقة الشرقية وبلاد الشام . كما توجد في المنطقة الشرقية القبور الرباعية وتحوي لحد للميت وقبر للمأكل وقبر للمشرب وقبر لجلوس أهل الميت وهذا القبر له ذات الشاكلة في بلاد الشام مما يدل على وجود ارتباط بينهم . وتسمية الحبوس أتت من الحبس أي انهم بقوا محبوسين في الجبال ولم يعجزهم ذلك من تكوين مجتمع له زراعته ومصادر مياهه وحياته الخاصة، ينزلون من أعلى الجبال في أوقات الهدوء" . وواصل صاحب السمو حاكم الشارقة حديثه عن الاستيطان البشري للمنطقة في فترة انتشار الدعوة الإسلامية قائلاً "بعد وصول الإسلام إلى مناطق الساحل الشرقي وساحل الخليج على يد القائد الإسلامي عمر بن العاص وقعت أحداث عدة من بينها حادثة ردة عمان أو ردة دبا وهي ليست ردة بالمعنى الحقيقي وإنما إعوجاج تمت معالجته، وسبب تلك الردة أن امرأة من الحبوس رفضت تقديم الزكاة المفروضة على الأموال فما كان من جابي الزكاة إلا أن ضربها فصرخت وفزع لها قومها لينصروها، وانقسم الناس إلى فريقين أحدهما دفع الزكاة وأظهروها فسموا بالظهوريين أما الفريق الآخر فقد شح عن دفع الزكاة وحبسوها فهم الشحوح والحبوس، والناظر إلى هذه القبائل اليوم يجد أن هيئتهم أقرب ما تكون للشام وبعض ألفاظهم مشتركة مع ألفاظ الشام" .