لم تكن معركة غزة مجرد صراع محلي عابر، بل كانت بحق نقطة تحول حاسمة واختبارًا مفصليًا لمواقف الدول والتحالفات الإقليمية والدولية. إن الذين ظنوا أن غزة معزولة في مواجهتها، وأن آلامها وتضحياتها لا تعنيهم، سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً أنهم كانوا على خطأ فادح. غزة لم تكن تدافع عن نفسها فقط، بل كانت الحصن المنيع وخط الدفاع الأخير عن كرامة الأمة ومستقبلها. لقد وقفت في وجه مشروع استعماري توسعي يستهدف المنطقة بأكملها، وهو مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي يحمل أجندة صهيونية واضحة المعالم، كما أشار إليه كتاب الشرق الاوسط الجديد بأجندة صهيونية لمؤلفه حسن حسين الرصابي. عندما تُركت غزة وحيدة في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية، كان ذلك بمثابة ضوء أخضر للعدو لتنفيذ مخططاته التوسعية على نطاق أوسع. إن الصمت العربي المُخزي، والمهرولة نحو التطبيع مع هذا الكيان، لم يكن إلا تشجيعًا لإسرائيل على التمادي في غطرستها وإجرامها. لقد راهنت بعض الأنظمة على أن مجاملة إسرائيل وتجاهل جرائمها سيمنحها الأمان والاستقرار، لكن التاريخ أثبت أن إسرائيل لا تحفظ عهدًا ولا تحترم اتفاقًا. هي تسعى دائمًا لتحقيق مصالحها الخاصة، ولا تتردد في الانقلاب على حلفائها عندما تنتهي صلاحيتهم، وهو ما شهدناه مرارًا وتكرارًا. المقاومة: الدرع الحامي للأمة لقد أثبتت حركات المقاومة في غزة، وفي لبنان، وفي اليمن، أنها ليست مجرد قوى عسكرية، بل هي صمام الأمان الذي يحمي الأمة من الانهيار والضياع. إن الذين تآمروا على المقاومة وصنفوها ك"مليشيات إرهابية"، سيعرفون في القادم من الأيام أنها كانت تقاتل من أجل حماية وجودهم واستقرار أوطانهم التي باتت على المحك. حركة حماس، التي واجهت مؤامرات لا حصر لها، لم تكن تقاتل من أجل سلطة أو نفوذ، بل كانت تقاتل من أجل قضية عادلة، من أجل تحرير الأرض والمقدسات. وأنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان، اللذان وقفا مع غزة وسانداها، لم يكونا مجرد أدوات بيد أحد، بل كانا شوكة في حلق العدو، وقوة حقيقية لو أن الأنظمة العربية استغلتها في وجه أعدائها بدلاً من الانقلاب عليها. الرهان الخاسر على القوى الغربية إن الرهان على الولاياتالمتحدةالأمريكية والقوى الغربية هو رهان خاسر وثبت فشله. لقد أثبتت هذه القوى أنها حليف غير موثوق به، وأنها تخدم مصالحها فقط. إن الأنظمة التي أفرطت في ولائها لأمريكا، وأنفقت عليها الأموال بسخاء، ونفذت أجنداتها دون تردد، ستكون أول من يتخلى عنها عندما لا تعود هناك حاجة إليها. أمريكا تتاجر بالقضايا والأزمات، ولا تتردد في التخلي عن حلفائها عندما تتعارض مصالحهم مع مصالحها، وهذا درس يجب أن يُستوعب جيدًا. دروس من الماضي ومستقبل قادم عندما يجد كل نظام عربي نفسه وحيدًا في مواجهة مباشرة مع طموحات إسرائيل التوسعية، التي لن تتوقف عند حدود، سيفهمون حينها أنهم ارتكبوا خطأ تاريخيًا لا يُغتفر. عندئذ، سيبكون على ضياع ملكهم، كما بكى أسلافهم من قبل، كما حدث عندما سقطت الأندلس وغيرها من الممالك التي ظنت أنها آمنة ومستقرة. التاريخ يعيد نفسه، ومن لا يتعلم من أخطاء الماضي، سيدفع الثمن باهظًا في المستقبل. وكما يقول المثل اليمني "ومن عاش خَبَّر"، فالأيام ستكشف الحقائق وتؤكد ما قيل.