في إطار احتفالات بلادنا بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وعيد الجلاء الثلاثين من نوفمبر اختتم مركز الدراسات التاريخية والإستراتيجية (منارات) موسمه الثقافي لهذا العام الثلاثاء الماضي بمحاضرة للأستاذ محفوظ سالم أمين سر مركز ( منارات) بعنوان الحركة الشبابية والطلابية سنوات الجمر والرصاص.. وذلك بحضور العديد من المثقفين والأدباء والمناضلين والشباب. في مثل هذا اليوم كان الشعب اليمني يسجل على أكثر صفحات التاريخ نصاعة، بأحرف من نور, نهاية حقبة استعمارية بغيضة, وبداية عهد الانعتاق من مخلفاتها, للانطلاق في رِكاب المدنية, والبناء, والعدالة, والعيش الكريم الآمن المستقر, الذي تُقدس فيه إنسانية الإنسان, وتُعلى راية المواطنة المتساوية, فوق كل سارية, لاسيما وقد اكتملت أضلاع مثلث الانتصار الملحمي البطولي للثورة اليمنية (26 سبتمبر/ 14 أكتوبر/ 30 نوفمبر). لكن جل الإصدارات والكتابات, الزاعمة تغييها تسجيل ونقد مسارات الحركة الوطنية, وتقصي المراحل والتحولات الهامة في مسيرة الثورة, كُلها دون استثناء (إعلام, مناهج, كتابات, إصدارات), دأبت, ولا تزال على تصوير وتقديم الأحداث التحولية التغييرية الثلاث لما بينها من ترابط عضوي لا تنفصم عُراه, وكأنها شيء هلامي, آتٍ من لا شيء, أو “نبت شيطاني”, نبت في أرض جدباء, دون ري بماء, بعد استنبات بذور. فمن الإجحاف في حق الشعب اليمني, والانتقاص من تضحياته, إظهاره في إعلامنا ، ومناهجنا التعليمية, والكتابات والاستكتابات المناسباتية, وجلّ الإصدارات, وكأنما هو قد عاش ل (129) عاماً من الاحتلال البريطاني (1976، 1839- (والحكم السلاطيني العشائري, ولنصف قرن ونيف, من الحكم الإمامي الظلامي المتخلف (1918 - 1962م), في بيات شتوي طويل, لم يستيقظ منه إلا على أزيز الرصاص, ودوي المدافع, إيذانا بانتصار الثورة في ال 26 من سبتمبر 1962،واندلاعها في ال 14 من أكتوبر 1963, وتتويج انتصاراتها برحيل آخر جندي بريطاني عن أرضنا الطيبة في الثلاثين من نوفمبر العام 1967م. وأحسب أن أنجب الطلاب, وأكثرهم فطنة وشغفاً بالاطلاع والاستزادة في المعرفة, على مدرجات الجامعة, ولا أقول في الصفوف النهائية من مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي, بالكاد وفي أحسن الأحوال, هم على معرفة ودراية, بأن أهم الأحداث التي مثّلت إرهاصات للثورة اليمنية في ستينيات القرن الميلادي الماضي, سيوجزها ودون استزادة منه عليها, في حركة 17 فبراير 1948م, الدستورية, حركة المقدم أو العقيد أحمد حسين الثلايا, أول ابريل 1955, حركة ضباط مستشفى الحديدة عبد الله اللقية ومحسن الهندوانه, ومحمد العلفي 1961 في عدن، وحسبك، فلا تطلب منه أو منهم على هذا مزيداً. وفي اليمن الجمهوري بجناحيه الشمالي والجنوبي ما بعد انتصار الثورة, عمل كل من النظامين الحاكمين, وبما يخدم أهواءه ونوازعه وتوجهاته, على “تكييف” ولا أذهب بعيداً فأقول “تزييف”, أحداث التاريخ التي كانت مجرياتها ووقائعها في الشطر الآخر, لا سيما الحديث والمعاصر منها, بصور وأشكال, إما منقوصة مجتزأة, أو مشوهة ملوية الأعناق, أو مكتومة الأنفاس, مسكوتاً عنها.. وكأنما هذه الأحداث هي ملك لهذا النظام أو ذاك, وليست من مآثر الشعب وبطولاته. ولأن نظام 22 مايو 1990م, هو حاصل جمع نظام( ج. ع. ي + نظام ج. ي. د. ش), فإن المناهج الدراسية, وكذا مُخرجات أجهزة ووسائل الإعلام والصحافة, لا سيما الحكومية والحزبية منها, وجُلّ ثمرات المطابع, جاءت على نحو متطابق يتماهى مع تلك المعادلة, وإلى حدٍ يجعل المرء, حين يقف على بعض مما يُلقن للنشء والطلاب, في مدارسنا, ويتأمل في إمعان, في الكثير من المخرجات المسموعة والمقروءة, والمرئية, عن أجهزة ووسائل الإعلام والصحافة, وثمرات المطابع, يكاد يصل إلى قناعة بصحة, وصدق قول, من قال: (إن التأريخ مهنة المزورين. وما حصدناه ونحصده ليس إلا من بعض البذور المستنبتة في أذهان الشباب في (المعاهد العلمية) و (مدارس العلوم الاشتراكية) والكوادر الشبابية و (نضالات بيشاور وكابول) و (غسيل الأمخاخ) بمعرفة وعلى أيدي الرفاق في الكرملين. التطلع ليوم الوحدة ويضيف محفوظ سالم قائلاً: احسب أني من جيل, عاش في شطرٍ من الوطن, كان لسنوات لا يبدأ دوران عجلة العمل في مرافقه ومؤسساته, والمدارس والمعسكرات فيه, إلا بعد الوقوف في تجلة وإكبار وشموخ لرفع العلم الوطني, وترديد (اقسم بالله العظيم, أن أناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية, وتنفيذ الخطة الخمسية، وتحقيق الوحدة اليمنية. الأهم أن التطلع ليوم الوحدة والتشوق إليه, كان هاجس السواد الأعظم, إن لم نقل كل أبناء الجنوب. وكما انه كان عند المنتمين (لا صوت يعلو فوق صوت الحزب). فإن صوت (الوحدة اليمنية) كان الصوت الأقوى صدى, وترجيعاً, في ضمير كل جنوبي يمني, وفي الوجدان الجمعي العام للجنوبيين اليمنيين يعيشونه حلماً مشروعاً, ويتطلعون بعيني زرقاء اليمامة, للأفق البعيد القريب, وبأعناق مشرئبة متطلعة في انتظار مجيئه كطائر العنقاء الأسطوري في المستقبل المنظور. كتابتي عن الوحدة اليمنية وبالمناسبة، لا أتذكر أنني قد أعددت برنامجاً إذاعياً أو تلفزيونياً, كما لم أكتب تناولة صحفية أو أنسج خيوطاً واختلق شخصيات عمل درامي للمسرح, أو الإذاعة، كما لم يطاوعني شيطان الشعر, بفكرة مادة قصائدية أو غنائية مموسقة, في زمن قياسي, مثلما كان معي, حين عاتبني الرائع الجميل صديقنا الفنان الكبير سالم بن علي بازياد, في عصرية من عصارى بواكير عقد الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي, على تقاعسي عن كتابة شيء للوحدة اليمنية, حسب تعبيره. فأخبرته بأن (الوحدة) يجدها منبثة في كتاباتي وتناولاتي الصحفية, وقصائدي المسرّحة, وفي مساجلاتي الشعرية القليلة والنادرة, فقال رحمه الله, كل هذا اعرفه ولا يهمني في شيء, الأهم عندي هو ما يمكن وضعه على مسبك الغناء والتغني. واختتم كلامه ممازحاً (ما لم فأنت ضد الوحدة). وقبل انقضاء أسبوع على حديثنا, استضافني رحمه الله في مقيل ثنائي بمنزله وقبل أن تدنو شمس الأصيل للغروب, تداعى (موال فرح) فطلبت منه أن يخاوي أو يدوزن العود بتعبير الموسيقيين, ففعل في طرب وانتشاء, وفي سلاسة وفي زمن قياسي, تداعت مقاطع أو كوبليهات الموال: موال الفرح أحباءُ كُناْ أحباءُ عشناْ على حبنا نشقىْ ويبقى الحُب.. وبانبقى.. نغني للفرحْ موالْ موال الفرحْ موالْ لفرحنا الآتي وحلمنا الآتي ندعوه تعال..تعال بُكره يا حلمنا تكبر تزهر على الخدود ورده لونها أحمرْ وفي شرايين العروق يولد للفرح موال موال الفرح موال قسماً بالخد والعينين أني لن أركعْ بأشعاري.. بألحاني برسم فجرك الأروعْ الوجه واحد موحدْ عليه الفجر يسطعْ ونغني للفرح موالْ موال الفرح موال وقد نفخ البازياد, فيه (الموال) الروح, ومنحه المزيد من إكسير الحياة, بأن صاغ له لحناً معبراً عن مضمون كل مقطع (كوبليه) من مقاطعه الثلاثة, فجمع فيه بين تعبيرات, لوعة الفراق, وعذوبة اللقيا. بين الشجن الجميل النبيل, والفرح الإنساني الشفيف, وقبل منتصف الليل في المكلا, كان يقلني خلفه على دراجته ليوصلني لسكني بحي السلام, مدندناً بصوت خفيض بلحن (الموال) فذكّرني, بتعريف أحد المفكرين للفن بأنه أقصى درجات الفرح. وبذلك المفكر الفيلسوف الذي برر عدم مشاركته في حفل دُعي لحضوره بان ليس فيه ما يبعث في نفسه على الفرح. ولما حطت حرب الزمرة, الطغمة, أوزارها, قام في فبراير وربما مارس من العام 1986، بتسجيلها لإذاعة المكلا بتوزيع موسيقي رائع, وبمصاحبة لا تقل روعة، من فرقة (بارادم) للموسيقى التابعة لسكرتارية المجلس العمالي بمحافظة حضرموت. وقد اخبرني, بأنه قد أهدى, نسخة من التسجيل, لإذاعة عدن, التي كانت مركزية- حينذاك- وبالفعل استمعت إليها للأغنية, لمرات وهي تبث من الإذاعة التي أصبحت «البرنامج الثاني». فارس السيف والقلم يحضر موال الفرح بعد ذلك أهديت نسخة مماثلة والصديق الأستاذ عبد الباسط محمد المبرزي مدير البرامج الثقافية والمنوعات بإذاعة صنعاء (البرنامج العام) رحمه الله عند أول زيارة عمل له إلى محافظة حضرموت في العام 1991م, غير أن (أبو سمير), رحمه الله, اخبرني بأن الديلمي عباس, من موقع رئيس القطاع, قد استمع ل (موال فرح) وأعجب به, وعاد ليفرض حظراً على بثه, بدعوى مجيء على اللون الأحمر في الموال (.. وتزهر على الخدود ورده لونها أحمر), وكل ما عقبت به, على ما اخبرني به الزميل المبرزي, يومذاك, أن قلت له: لا غرابة فالرجل يُذكِرهُ اللون الأحمر بأيام زمان الغُبر العجاف, وهو اليوم في المنطقة الرمادية, (مناسباً) الشطارة والفهلوة, منتصراً للأزرق, قابضاً بالأخضر (ومن أين لي هذا النعيم, سيدي لولاك), ثم ماذا تنتظر من هكذا آدمي, يخوض حرباً ضروساً مع رجل ودَّع الحياة, وأغمض إغماضته الأخيرة, من سنين, بفرض حظر غير معلن, على أغانيه, وإنزال الويل والثبور بمن بثها في برامجه من مذيعين ومعدين ومخرجين, وأين نحن من قامة سامقة معطاءة وارفة الظلال مثل مهندس الكلمة الشاعرة, العذب، الجميل, عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول)؟. ولوجهة أخرى أدرتُ دفة الحديث. وأعود, ومثلي أبناء جيلي الباحثون عن الحقيقة, لنقول للذين تشرّبنا على أيديهم, ولسنين طوال, ورضعنا من وثائقهم وتنظيراتهم, ومواقفهم, القناعات الراسخة بأن اليمن, الأرض والإنسان, التاريخ والحضارة, الكُل واحد لا يتجزأ, بواحدية ثورته (سبتمبر/ أكتوبر)، واعتبار إعادة وحدته, قدر ومصير الشعب الذي لا محيص عنه. الشباب والطلاب .. تاريخ ما أهمله التاريخ ويقول محفوظ سالم: ومن البدهي القول إن الشباب- عامة – والطُلاب منهم- على وجه الخصوص-هُم الأكثر استشعاراً لمعاناة واقعهم ومراراته, وبالتالي فهم الأكثر إدراكاً ووعياً بمسئولياتهم تجاهه, باعتبارهم الفئة الأشد توقاً للتغيير, والأحمس تطلعاً لصنع التحولات في مجتمعاتها, ذلك أنهم أداة التغيير أو إحدى أدواته المؤثرة الفاعلة, فهُم- أيضاً- وجهة وبوتقة ما ينتج ويتمخض عنه. ولم يذهب المناضل عبدالقوي مكاوي, بعيدا حين ذهب إلى القول, بأن الحركة الطلابية بدأت في الظهور مع تفتح الوعي الوطني وبداية اليقظة الوطنية ككل, فهي لم ترتبط بتاريخ معين لأنها كانت دائما وأبدا في طليعة الحركة الوطنية. - فالحركة الطلابية هي التي قادت المظاهرات مع الحركة العمالية عام 1956م ضد العدوان الثلاثي على مصر. - وهي التي قادت المسيرات الشعبية في الزحف على المجلس التشريعي مع قطاعات العمال ضد انتخابات ذلك المجلس المزيف. - وهي التي خرجت تستنكر مشروع الاتحاد الفيدرالي في أعوام ( 1955, 1956, 1959م). - وهي التي قامت بجمع التبرعات لثوار الجزائر وخرجت إلى الشوارع تستنكر حرب الإبادة التي مارستها فرنسا ضد شعب الجزائر الثائر. - وهي التي حملت بجدارة تحريك الجماهير في كل المناسبات التاريخية والأحداث النضالية التي شهدتها ساحة الجنوب عبر مرحلة النضال. وكما في كل الثورات التحررية فقد كان الطُلاّب اليمنيون «أقباس الحسَّ وشعلة الحماس» في كل تحركاتهم, وحركاتهم, وانتفاضاتهم, التي مثَّلت “ بمجموعها للثورة (سبتمبر/ أكتوبر ) عناصر وقودها, وعوامل انبلاجها” , ولم تقتصر أدوارهم أو تقف عند تخوم, توزيع المنشورات, وحمل الرسائل, وإيقاظ الوعي, وتبديد ظلمات الجهل والأمية في أوساط الشعب.. وإلى أقصى البقاع, ولكنهم عمدوا - أيضاً- إلى الوقوف في مقدمة الرتل من الثورة, في مراحل تفجرها, ومن ثم الدفاع عنها, من انحرافات واختراقات الداخل, ومؤامرات وإحتواءات الخارج “ وسجلوا على كل ذرة تراب أشعة من شروق المستقبل, «فكان النضال الطلابي أروع الحلقات في مسلسل النضال الوطني التحرري, في تاريخ اليمن المعاصر، لأنه (النضال الطلابي)- كما يقول الأستاذ البردوني- عن وعي بالثورة وعن استعداد لمواجهة الاحتمالات, فلم تكن حركة طلابنا, موقوفة على الهتاف التظاهري, وإنما هي على أتم الاستعداد للثورة العملية, وللذّود عنها, كما دلت مظاهرات أكتوبر 1967 الطلابية “ على لجنة التصالح, التي أرادت, ان تجعل ثمار الدماء رماداً, وتضحيات البطولة استسلاماً. لهذا أحبطت مظاهرات الطلاب الاكتوبرية خطة الوساطة المشبوهة». وللذود عن صنعاء الثورة “ تجنّد كل الطلاب في المقاومة الشعبية عام 67م كما تجنّد زملاء لهم في الحرس الوطني من قبل “ ولم يبارحوا مواقعهم “ حتى كسروا الحصار إلى جانب الجيش والشعب “ ليلتحقوا بميادين أخرى, لا يقل النضال، فيها شأناً, عن ميدان مقاومة احتواء الثورة, والارتداد بجماهيرها, إلى ما قبل تبرج شموس صباحاتها. وإذا كان الجناح السبتمبري في الثورة اليمنية, كانت البواكير الأولى, لإرهاصات طيرانه قد انطلقت من (دار العلوم) و(الثانوية) بصنعاء, وامتدت إلى مدارس (تعز) و(الحديدة) و(حجة), فإن الجناح الاكتوبري للثورة, هو الآخر كانت بواكير ارهاصات طيرانه منطلقها (كلية بلقيس) بعدن, و(الوسطى) في غيل باوزير, و(الوسطى) و(الثانوية) في المكلا, وسواها من المدارس المنبثة في السلطنات والمشيخات والإمارات التي كانت قائمة ما قبل الثورة فيما كان يُعرف بمحمية عدن الشرقية والغربية فضلاً عن المستعمرة عدن. فمما لا شك فيه, أن الطُلاب في هذه المدارس, قد اضطلعوا بأدوار متفاوتة, وبحسب الظروف الذاتية لهم, والموضوعية لواقعهم, في التبشير بالثورة, وبث ونشر الوعي فيها, ومن ثم حمل عَلمِها, والاستماتة في الذود عنه, ونسأل الله, أن يُقيض, للتيار, أو القطاع الطلابي, من الباحثين الموضوعيين, والمؤرخين المُنصفين, من يتقصى أدواره النضالية في الثورة, بجناحيها السبتمبري والاكتوبري, (لن يتأتى لطائر الطيران بجناح واحد. وعلى رأي أحد الشعراء: لا يستطيع المرء أن يبكي بعين واحدة). فمن “العيب” أن تنقضي (50) عاماً, و(49) عاماً, على الثورة اليمنية (سبتمبر/ أكتوبر) و(22) عاماً, على قيام الجمهورية اليمنية, دون أن يتحمّس باحث من باحثينا الجادين أو مؤرخ من مؤرخينا المنصفين لمطالعتنا ببحث مُنصف موضوعي جاد, يستغور فيه أدوار الحركة الطلابية اليمنية, في تفجر الثورة, وانتصارها, والدفاع عنها, وما تمخض عنها من تحولات, وهو موضوع على أهميته, مشوق وبالغ الثراء, وفيه من الإغراء المُحفز, لأن يكون موضوعاً لرسالة أو رسائل ماجستير, أو دكتوراه, تثبت لمن في قلبه مثقال ذرة من شك, بأن الحركات والانتفاضات, والأدوار الثورية النضالية, لطُلاب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي الماضي, لهم في العقد الأول, من الألفية الثالثة, ذرية من أبناء وأحفاد، يتجسدون في تلاميذ وطُلاب المدارس الذين يتقدمون منذ العام 2007م الحراك الجنوبي السلمي في المحافظات الجنوبية, وطُلاب جامعتي صنعاءوتعز, الذين كان لهم شرف المبادرة للتظاهرة, وافتراش الساحات, مُعلنين ثورتهم الشبابية السلمية التغييرية مطلع العام 2011م, وفي صور ومواقف نضالية دالة على أن «حركة طلابنا متصلة الحلقات, متواصلة التيار من وقت لآخر ومن ميدان إلى ثانٍ, وهذا ليس بغريب لأن القراءة تغيير, وتجدد الأجيال حتمي, حتمية طلوع شمس كل يوم, وليس القادة الأنجح إلا الذين كانوا التلاميذ الأنجب, باعتبار الطلاب الثروة الأبقى والثورة الدائمة, وإذا كانت بعض القيادات الشبابية تقع في أخطاء فذلك طبيعة العمل الأول أو تغرير المُنظّرين, لأن الشباب يمتلك قوة الدفع, ويمكنه أن يكتسب أبعاد التجربة, في ظل فهم أكثر خبرة, أو أطول مدة في المراس, ومن مزايا طلابنا الكثيرة أن طموحهم لا يتجاوز مصالح الشعب, ولا ينطلق من غير مشروعية, فكما أنهم الربيع الدائم للأمة, فهم التجدد المستمر في جذور الحياة, وفي دفع الإرادة, من تحقيق إلى تحقيق، وأمام طلاّب اليوم مهمات قد تختلف عن سابقيهم, وقد تكون مشاكلهم أعقد, إلا أن كفاءتهم على المجابهة والتجاوز سوف تكون أقدر مواقع وإعداداً, والغد على ذلك من الشاهدين». ولم تقف نضالات الطُلاب, (ذكوراً وإناثاً, طبعاً), عند تخوم القضايا والتطلعات الطلابية, وإصلاح المناهج التعليمية, ولكنها تجاوزت ذلك, لمشاركة قطاعات الشعب الأخرى, فعالياتها, ونشاطاتها النضالية, وعلى سبيل المثال لا الحصر, نجد أن “الطُلاب قد شاركوا أخوانهم العمال, في الإضرابات العمالية التي اندلعت سنة 1956م. وقد استشهد في المصادمات (مع قوات المستعمر أثناء فترة الإضرابات), الطالب, قاسم هلال , أول شهيد للحركة الطلابية”- التجمع القومي للقوى الوطنية في الجنوب اليمني. ومما أتينا عليه ، يمكن الإدراك, لأهمية تنظيم الشباب والطلاب لأنفسهم في إطار أحزاب وتنظيمات سياسية شبابية تعبر عن تطلعاتهم وآمالهم. وليست ببعيدة عنا، دعوة الرئيس السابق ، للشباب اليمني في بدايات ثورتهم السلمية التغييرية العام 2011م. لتنظيم أنفسهم في حزب أو أحزاب يمكن (التفاوض) معه أو معها وأياً كانت جدية الدعوة ومصداقيتها ، وأهداف مُطلِقها ، إلا أن (شباب ثورة التغيير السلمية) قد فوَّت على نفسه حينذاك فرصة سانحة ، بأن لم يجعل من نفسه جوَّاب نداء الدعوة ، فانتهزها غيره وتفاوض باسمه ، محولاً (الثورة الشبابية التغييرية) إلى (أزمة سياسية عجائزية ) و(التغيير), إلى (تدوير) .. والبقية تأتي, وعلى كل حال (خيرها في غيرها). وعودٌ على بدء فلم يكن هكذا عفواً جزافاً, ومن قبيل إطلاق القول على عواهنه أن يختار رئيس المجلس الجمهوري, القاضي الارياني, المؤتمر الطلابي (مايو 1970) مناسبةً, ومتلقين, لخطابه الذي وجههُ للمؤتمرين, و كان من أهم ما جاء فيه: إن الحزبية تبدأ بالتأثر, وتنتهي بالعمالة وإننا نرفضها سواء جاءت تحت مسوح الرهبان, أو تحت قرون الشيطان الأربعينيات كهربت العقائد .. وبلورت الرؤية يمكن القول, تأسيسا على شواهد ومعطيات الواقع, أن شبابنا الطلابي من مطلع الأربعينيات (في القرن الميلادي الماضي), كان مختلفا عن شباب العشرينيات والثلاثينيات التي كانت أهم صفاته, عدم التدخل فيما لا يعنيه, على حد تعبير الآباء, والأساتذة, لأنه أحسّ نفسه, معنيا بالوطن، بتأثير بواكير الثقافة المعاصرة, فبدأ يخوض عدة ميادين نضالية, مواجها لواقعه , معلنا رفضه له, وتوقه لتغييره. ففي أول الأربعينيات من القرن الميلادي الماضي, تبرعمت فكرة الحركة الدستورية، وفي 18 أشباط/فبراير كان قيامها, وفي ضحوة آذار/مارس, كان سقوطها. ولسنا بطبيعة الحال , هنا في موقف استغوار أسباب السقوط, بعد قيام قصير لحركة الدستور الشباطية, غير أن ما يهمنا منها, في مقامنا هذا, هو أن (الحركة الطلابية كانت أروع ظواهر ثورة الشباطيين التي كانت هدف سخط جماهير العاصمة مهد الحدث. بعبارة أخرى (كان طلاب دار العلوم والثانوية “بصنعاء” أصدق جنود ثورة 48، وأحسّنهم تقبلا لها, وتوعية عنها).. ومن منظور البعض, من الباحثين المعاصرين للحدث, (فقد انتمت حركة الطُلاب, إلى خلفية ثقافية, أحرّ عناصرها, الشعر الاجتماعي والسياسي, فبلورت رؤيتها, وكهربت عقائدها, وأمتد التوهج بالتوهج, حتى سقوط الدستور) – عبدالله البردوني, اليمن الجمهوري, ط6, 2008م, ص254 وأيُ كان مآل الحركة الدستورية (فقد زاول الطلاب أدوارهم بكل استبسال, فثوّروا الجموع بالخطابات الحماسية, والقصائد الإيقاظية, التي كانت تُنشر خارج اليمن, ثم انتقلوا إلى ميدان الفعل, فحملوا البنادق وتعسكروا حول أسوار صنعاء, فأصبح طُلاب الثانوية, وطلاب دار العلوم, وطلاب الصحة, وطلاب الإشارة, أصبح كل هؤلاء معسكرا واحدا مختلف المواقع والقيادات, لكي يكسروا الحصار عن العاصمة, إلا أن خبرتهم في استعمال السلاح كانت غير كافية, أمام قوة الحصار المُدربة, وأمام الخيانة من الداخل.. لهذا أُسقطت العاصمة في شهر مارس, فدفع زعماء الطلاب ضريبة الحماس, فمنهم من استشهد, كعبدالله محمد الوزير, ومنهم من كابد السجن كعبدالملك الطيب, وعلى البوني, وعلى الواسعي، ومنهم من لاذ بالفرار كأحمد الخزّان وحسين عثمان الوزير, وحسين المقبلي) – البردوني , المصدر السابق, ص249 الخمسينات الانتفاضات الطلابية .. في الخمسينات من القرن الميلادي الماضي ، ازدادت أعداد الطلاب، أو القوة الثالثة كما يسميها السياسيون وذلك لازدياد عدد المدارس ، وانبثاثها في مواطن يمنية عديدة أصبحت “ مواقعاً جديدة تُضاف إلى المواقع القديمة ، وتُطيل ألسنة اللهب ، فبعد استشهاد (الثلايا) وزملائه عام 1955م ، خمد الشعب كخموده بعد سقوط الدستور ، فدلَّت ( المدرسة الأحمدية ) بتعز على أن في العرين أسوداً، ففجرت أول تظاهرة ، على قطع الرؤوس الكثيرة في تلك الحادثة ، وعلى هذا العنف ، برغم أن انقلاب (الثلايا) لم يستند إلى جبهات جماهيرية ، وإنما كانت التظاهرة العنيفة أول احتجاج شعبي على قطع الرؤوس الوطنية الذي كان من يوميات الحكم الأحمدي ، وكان هتاف المظاهرات يتقدُ بالغضب: ( لا إعدام لا إعدام .. يحيا الشعب يحيا الشعب ) وكانت هذه انصع صفحة في التاريخ الطلابي ، لأنها انتقلت من الهمس والإنشاد ، إلى التفجر الشامل بين غمار الملايين ، وتحت الشمس ، لكي تشهد تيار التحول يمتد ويتسع “– عبدالله البردوني، اليمن الجمهوري ، ط 6،2008م، ص255 وبالتالي لا نحسبه بمجافٍ للحقيقة ، أو مبتعداً عن محجه الصواب ، من يرى بأن هذه المظاهرة قد كانت “أول نقاط التحول في التاريخ الطلابي ، بل وفي التاريخ الشعبي ، إذ لم يعتد شعبنا قبل هذه التظاهرة الطلابية ، ما يسمى بالمظاهرات الجماهيرية ، فكانت تلك المظاهرة أول تنبيه إلى قيمة تحريك الشارع الشعبي “- البردوني ، المصدر السابق ص255 وفي العام 1956م ، لما كان العدوان الثلاثي على مصر جيّشَ الطلاب الجماهير ، وخرجوا في مظاهرة مطالبين بالتسليح والتطوع . ولما تزايد أعداد الخريجين في دار العلوم بصنعاء ، الحّ الطلاب في العام 1959، على فتح مجالات العمل ، (وحتى لا تتفجر المظاهرات ويتمادى تيار الشباب في الاكتساح عنّ ل(الأمام أحمد) إسكات المطالبين، فأمر بفصل مائتي طالب من جميع المدارس . ورداً على هذا الإجراء ، أقدم الطلاب على، ظاهرة سطحية ، إذ “تجمع، طلاب ( دار العلوم ) ، وقرروا أن يجتمعوا، في جامع ،(قبة المتوكل) ، كل ليلة ، ويطلقوا احتجاجهم، من هناك ، على مقربة ، من القصر (بصنعاء)، في مأمن من القبض عليهم ، إلا أن هذه الظاهرة السطحية ، تطورت بما حولها من الاشتعال الاجتماعي ، والعامل الأكثر أهمية ، تضامن طلاب (التحضيرية)، و(الثانوية) ، مع طلاب (دار العلوم ) ، فقد تبلورت ، فكرة كظاهرة عامة، ضد الأوضاع بجملتها ، غير أن طلاب (دار العلوم ) أحجموا لوقار العمائم بجانب طفور المظاهرة وتدفق أمواجها وحسم ( الإمام ) الأمر بإلغاء فصل الطُلاب”. من إرهاصات بواكير الستينيات في العام 1961م, كان الغضب الشعبي, قد تجاوز مجالس القات إلى الثكنات والمدارس, وبذا “أصبحت المواجهة بين حقيقة (الإمام), ومداجاته علنية، في قصيدة إمامية” نددت بالإشتراكية العربية, ودعت “إلى الوحدة بلا ثورية, وكانت قصيدة (أحمد) هذه, مادة إخبارية هامة ،لأنها ذات طابع فقهي سياسي, ولأنها بيان شعري: ولا يجوز أخذ مال الغير إلا بأن يرضى بدون ضير بحجة التأميم والمعادلة بين ذوي المال ومن لا مال له” وعند انتصار ثورة الجزائر عام 1961م, اختمرت فكرة الاحتفاء بالمناسبة, فاجتمعت الأندية الرياضية في سيئون (نادي الشباب, نادي الاحقاف, نادي الموظفين) وعدد من الشخصيات الوطنية, وكان على رأس المتحمسين للاحتفالية, الأخ أنور خالد (من الناصريين, العاملين بإدارة الزراعة في سيئون) حيث سخر كل الإمكانيات المتوفرة لديه في الإدارة التي يعمل بها، من سيارات, وبالونات, والمنصة التي نُصبت بالشارع المعروف ب (ساقية البلاد)، وباقتراح من نادي الشباب بسيئون أصبح الشارع وإلى يومنا هذا يعرف ب (شارع الجزائر) . وقد ألقيت في الاحتفالية، كلمات الأندية ، والشخصيات الوطنية ،فضلاً عن قصيدة وطنية للشاعر الأديب عبد الرحمن أحمد باكثير- عبد القادر أحمد باكثير.. (الوفاء بالوفاء) ما بين (السلال) وشباب سيئون بُعيد (96) ساعة، (30 سبتمبر 1962)، من انتصار الثورة السبتمبرية، كان شارع (الجزائر) في مدينة سيئون ، يصطخب مبتهجاً، في تظاهرة احتفالية شعبية ،شاركت فيها المدرسة المتوسطة، والمدارس الأهلية ،والأندية الثقافية والأدبية والجماهيرية، والهيئات الوطنية، وفرق الألعاب الشعبية، وتبارى الخطباء المفوهين والشعراء الألمعيين، في التعبير عن فرحة سيئون ، والوادي عامة، بانتصار الثورة . وقد حيا الشاعر الأديب عبدالرحمن أحمد باكثير، الحدث بقصيدة مطلعها: حي وأهتف للثورة اليعربية .....عبدالقادر أحمد باكثير ، مذكرات عن مراحل النضال والتحرير 1960- 1969م حضرموت،ط1،ج1،ص44- ولا أحسبُ إلا أنه قد نما لعلم (السلال)، ما كان من السيؤونيين وأبناء وادي حضرموت عامة، ولما سنحت له السوانح ، لم تثنه المسافات الطوال، من أن يرد التحية بأحسن منها ، ويبادلهم الوفاء بالوفاء . وعند برقيته التاريخية ، بقية الحكاية: من المشير عبد الله السلال إلى الجبهة القومية/ سيئون نهنئكم بسقوط السلطنة الكثيرية (2/ 10/ 1967م), ونتمنى لكم النجاح, والنصر دائماً. (04 أكتوبر 1967م)- كُررت إذاعاتها من إذاعة سيئون التي كانت حينذاك عبارة عن جهاز لاسلكي يغطي إرساله مدينة سيئون, كما نُشرت بنشرة “الزخف” التي كان يصدرها مكتب النشر والإعلام هناك بعد استلام الجبهة القومية للسلطة بعد أقل من (20) يوماً على انتصار الثورة. حرس وطني من الشباب في الحديدة الثورية ليست حكراً على فئة, أو حزبٍ, أو حركة. إن أي منحى أو فئة يتجه نحو قضية الوطن, تحريراً, أو تقدماً, فهو ثوري. “د. حسين مروه”. يوم ال 16 من أكتوبر 1962م, أعلن راديو صنعاء عن تكوين حرس وطني من شباب الحديدة, ويبلغ تعدادهم (500) شاب, وقد دُربوا على احدث الأسلحة, وارتدوا ملابسهم العسكرية الحديثة, ليساهموا في الدفاع عن جمهوريتهم, ووطنهم بسواعدهم القوية. إلى هذا ذكر الراديو أن جملة ما تبرع به أهالي الحديدة للحرس الوطني بلغ في يومه الأول, مبلغ (26) ألف ريال.- اليقظة, العدد 243, سيف علي مقبل, من تاريخ الحركة الوطنية, ص237- فيما بلغ ما جُمِعَّ من مدينة تعز, حتى 7 أكتوبر ما يزيد عن خمسين ألف ريال, وتتوالى التبرعات لصالح الحرس الوطني.- اليقظة, العدد 235, سيف علي مقبل, من تاريخ الحركة الوطنية, ص2 مظاهرة (لا نزال مُصرين.. على دخول المصريين( كانت إدارة المعارف الكثيرية, قد أوفدت وفداً إلى القاهرة, لطلب مساعدتها بإيفاد مدرسين مصريين, للمدرسة المتوسطة بسيئون، وإثر عودة الوفد, الأحد الثالث من اكتوبر العام 1965م, صرح رئيسه, مساعد ناظر المعارف في السلطنة- آنذاك- محمد عمر الكاف, بأن الحكومة المصرية قد وافقت على إرسال بعثة من المدرسين المصريين, غير ان السلطات البريطانية ، رفضت منحهم تأشيرات دخول إلى البلد، وما أن انتشر الخبر في أوساط الطلبة, حتى انتظموا على التو في مظاهرة منددة بالاستعمار البريطاني, هاتفة بالشعار الرئيس للمظاهرة: (لا نزال مُصرين.. على دخول المصريين).وأثناء سيرها في شوارع المدينة “انضمت إلى هذه المظاهرة فئات كبيرة من الشعب وآباء الطلبة, واتجهت صوب المستشارية البريطانية واقتحمتها, وأحرقت الجماهير أربع سيارات, ومجموعة من الإطارات, وقطعت أسلاك اللاسلكي, وتصاعد الدخان لساعتين (تقريباً), ولم يعد مساعد المستشار البريطاني إلى منزله في ذلك اليوم, وتوجه إلى المكلا”- عبد القادر أحمد باكثير, مذكرات عن مراحل النضال والتحرير, 1960- 1969م حضرموت, ط1, ج1, 2008م, ص120 تجليات ستينية كانت الحركات الطلابية بمجموعها عناصر وقود الثورة ، وعوامل انبلاجها كما دلت تلك المظاهر الطلابية الكبرى بصنعاء في منتصف العام 1962م ، والتي سبقت الثورة بشهور وكانت أصدق الإرهاصات ، وأقوى العلامات الدالة على اقتراب يومها ، وبقيادتها (المظاهر الطلابية) لأفواج الجماهير امتدت من طلابية إلى شعبية “ لأن الطلاب في آخر الشوط اقتبسوا من نار الشعب، أكثر مما اقتبسوا من الكتب وأوراق الجرائد، فإذا كان لهم فضل الاستجابة النارية ، فللشعب فضل الإلحاح والاستثارة ، لأنهم تعلموا منه أكثر مما تعلموا من المدارس والقصائد والصحافة، وإن كانت هذه على اختلافها قد وسعت مناطق الحس الثوري “ وقد انتهت الحركات الطلابية إلى ثورة تحررية ، أخرجت الشعب من قيوده ، إلى رحاب وجوده تحت أسطع الاصنداء “ «وإذا كان الطلاب قد أصبحوا ثواراً ، فإن الذي مازالوا طلابا قد أصبحوا زنود الثورة وسر خصوبة امتدادها , فعندما أعلنت الثورة (الجمهورية ) تدفق طلاب المدارس إلى المعسكرات، للانصهار بالثورة، والاندماج في موجها العارم ، مرددين الهتاف بحياة الثورة وموت خصومها ، فتشكَّل الحرس الوطني منهم ، ومن جميع القطاعات الشعبية ، فمنهم من قاتل ، ومنهم من انتشر في المناطق يقاتل الخوف ، والجهل بسلاح التوعوية» و «لما انتهت مهمة الإرشاد الذي لا ضرورة له ، عرف الطلاب أن الشعب قد بلغ الرُشد ، وعليهم أن يلتحقوا كليا بمواقع قتال المؤامرات ، وسجلوا على كل ذرة تراب أشعة من شروق المستقبل». وعندما كانت الأسلحة تدفن المؤامرة وتمد ضحوات النصر ، كانت المهود والملاعب والمدارس الابتدائية تزخر بمئات التلاميذ المنتظرين ، فعدما أصبح طلاب آخر الخمسينات قادة وجنوداً ، أصبح أطفال ذلك ،الحين طُلاب مدارس لكي يلتحقوا بالموكب المضيء ، وشهدت لهم منتصف الستينات عددا من الانتفاضات كمظاهرة 65 على انتهاك مقررات مؤتمر عمران ومظاهرة 30 أكتوبر 67م على لجنة التصالح التي أرادت أن تجعل ثمار الدماء رمادا، وتضحيات البطولة استسلاما، لهذا أحبطت مظاهرات الطلاب الاكتوبرية خطة الوساطة المشبوهة ) - البردوني ، المصدر السابق” ص258 وفي العام 1967 تجند كل الطلاب في المقاومة الشعبية ، كما تجند من قبل ، زملاء لهم في الحرس الوطني ، ذلك كي “ تشرق الأفكار أعمالاً ميدانية “. وقد كانت المشاهد تثير الروعة والإعجاب ، فأبن الثالثة عشرة ، كان يقاتل إلى جانب أبن الأربعين، بنفس المستوى، حتى قال بعض معمرينا وهو يرى مظاهرة طلابنا عام 62م : ( من يدري أن شعب المستقبل هو هؤلاء التلاميذ الصغار)، وقال بعض المجربين في حرب السبعين: (أن هؤلاء الأطفال يغرون المرتزقة بما في أيديهم من سلاح فلا يحصلون إلا على مصارعهم السريعة ) ، ولا أحسب صديقنا الشاعر العذب الجميل سعيد محمد بن هاوي باوزير (أبو سراج) إلا معبراً وترجماناً للسان هؤلاء ، حين قال في غنائية سبعينية رائعة له، شلتها ( ألف حارس على بُن اليمن ألف حارس ): جيلْ(نشوانْ ) أسسْ في مرابِعكْ تأسيسْ جيلْ صادقْ وفيْ يحُولها الصحاريْ فراديسْ في المصنعْ .. وفي المدرسةْ .. وحتى المتارسْ أنا على العهْد والميثاقْ يا أُختْ بلقيسْ أنا وأنتِ .. وحبي ما تسعنا القواميس أنا مكاني مطولِّ .. على رغمْ الزمانْ المعاكسْ ألفْ حارسْ على بُن اليمنْ ألفْ حارسْ ومع الاعتذار لأبي سراج ( عشرين مليون حارس , على بُن اليمن ، عشرين مليون حارس). أقوى عناصر الثورة ... مغيّب في حكوماتها مما هو مشهود ملموح أن الشباب والطلاب, كانوا في أربعينيات وخمسينيات, وستينيات, وسبعينيات, القرن الميلادي الماضي, أقوى عناصر الثورة (سبتمبر/ أكتوبر) , وأقوى توهج للحركات الوطنية وأحر نبضاتها في تلك الفترة المطبوعة بالتفجر الشعبي. من ملامح شباب السبعينات ما كادت الستينات من القرن الميلادي الماضي، تطوي صفحتها ، حتى بزغت قوة شابة من مواليد آخر الأربعينيات, وبدء الخمسينات, فعززت هذه العناصر الجديدة ، مواقع القوى الثورية النقية, وشهدت أيام السبعينات أبناء المدارس يحملون البندقيات بدلا من الأقلام, ويكتبون صفحة جديدة في كتاب التحولات. في ذلك الحين تعززت القوى الثورية، بقوة جديدة ، نشأت لكي تتنامى كيفاً وكماً, إذ أصبح مواليد الخمسينات في العشرينات أو على أبوابها, وكان هذا الرعيل أول رائد للمواكب الشابة, والتي سوف تشب والوليدة والتي سوف تولد, لهذا خاف تجار الحرب من تصاعد هذه القوى وتدفق أفواجها, وأرادوا أن يحرموها فرصة التجربة الحارة, فتعالت دعوة التصالح قبل أن تحقق الحرب أي هدف ، غير قيام الجمهورية العربية اليمنية, واحتمال تغير أسمها، في دعوات كانت قيد الطبخ, غير أن القوة الشابة واصلت تكاثرها, فحاولت المؤامرات عدة طبخات: التجهيل عن طريق التعليم الإلهاء بالمناصب حرية الاستيراد والتهريب الاتجار بالسلاح افتتاح الأوكار السرية وما أشبه الليلة بالبارحة. - من يروم الاستزادة فليعد لعبدالله البردوني ، ص416, 417 وصفحات أخرى عديدة في كتابه (اليمن الجمهوري), ط6, 2008م العقد الثاني من الألفية الثالثة (2011) الثورة الشبابية السلمية خيركم في الجاهلية. خير في الإسلام “حديث نبوي” ويقول ثمة من يذهب إلى تعريف التاريخ- في بساطة وايجاز شديدين- بأنه “يعني الحركة الدائمة المتجددة والمتطورة لحيز المجاميع البشرية- المؤرخ الأديب الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف, حوار هاتفي أجراه الباحث معه بمناسبة العيد ال17 للاستقلال الوطني (1984) وبثته إذاعة المكلا في 28/ 11/ 1984م, كما نشرته صحيفة (الشرارة) بعد رحيل بامطرف في عددها الصادر في 6/ 8/ 1988م. بعبارة أخرى “فالتاريخ ليس هو مجرد رصد للحياة الراكدة التي يحياها الإنسان, وإنما السير لما فيه خير الشعب ورفاهيته فالتاريخ إذا, بعني, تسجيل التغيير إلى الأحسن.. وإلى الأفضل باستمرار- بامطرف, المصدر السابق. والتغيير الواعي فطرة الله التي فُطر البشر عليها دون سائر الكائنات, فهي مزية بشرية بامتياز. لذا نجد الطبيعة البشرية, وبالأحرى النفس البشرية السوية, تعاني الرتابة والدعة, وتسأم الركود, باعتبارها مفطورة على حُب التجديد والتوق المستمر للتغيير, من منطلق إدراكها الواعي بأن المياه الراكدة تتعفن وتتأسن, وأن من سنن الحياة, ونواميس الكون, أن يعقب الليل النهار, والخريف يعقبه ربيع, وكما ان هناك حيوانات تُغير جلودها, كذلك الأشجار تُسقِط أوراقها لُتنبت غيرها أكثر نضارة وجدة. ولعل حكمة الله, وتكريمه للكائن البشري, جعلت من الأخير, أداةً للتغيير وصنع التحولات, وفي الوقت ذاته جعلته هدف التغيير وحاصد ثمار نتائجه التي عمل هو على إنبات بذورها بنفسه, مصداقاً لقوله عزّ من قائل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم- ما هو عندك (1). ومعنى هذا, فإن التغيير فعل بشري, لأناس تاقوا وتشوقوا لإحداثه, فنذروا أنفسهم للقيام به, ليصنعوا لأنفسهم به ومن خلال تاريخه, إذ أن هناك رجالا تصنعهم الأحداث التاريخية.. وهناك رجال يصنعون التاريخ بأنفسهم.- (ما هو عندك) (2) - المقولة ل(دزرائيلي) رئيس الحكومة وزعيم حزب المحافظين في بريطانيا في عهد الملكة فكتوريا وهو صاحب القول الذائع (ليس لبريطانيا أصدقاء دائمون, أو أعداء دائمون, بل لها مصالح دائمة). كما يؤكد ذلك المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي لدى حديثه عن دور القائد في التاريخ, في كتابه “تاريخ الحضارات” وبالتالي (لا تصدقوا من يقول لكم: إن الظروف قد خلقت رجلا, بل صدقوا من يقول لكم: أن الرجال هم الذين يخلقون الظروف. ذلك أن التغيير يقوم على فعل إنساني, اختمر وتهيأ الظرف الزماني لإحداثه, فأحدث أثره في التحول وبالمناسبة فقد اقتصر البرامج الانتخابي للرئيس الأمريكي, باراك أوباما, في ولايته الرئاسية الأولى, على شعار واحد, من لفظة واحدة لا غير, (التغيير(. وكأننا بثورات الربيع العربي بواكير العام 2011م قد تفجرت جوّابهة لشعار الحملة الانتخابية لأوباما, بعد نحو ثلاثة أعوام على انتخابه. وكان الشباب, أقوى وأهم عناصر هذه الثورات, بل واشرف وأنقى محركيها ومؤججي نارها “المقدسة”. كما في حال الثورة الشبابية السلمية اليمنية في فبراير/ شباط من العام 2011م, والتي تفجرت لتمد نسغاً ربيعياً ما بينها, وبين ثورة 26 سبتمبر 62, 14 أكتوبر1963. إذ لا يساورنا مثقال ذرة من شك في أن الثوار الشباب السلميين, هم امتداد, للسبتمبريين و الاكتوبريين وأرتال سبقت هؤلاء لمعتركات النضال التحرري التائق إلى التغيير, فثمة حبل سري ما بين الشباب الذي افترش الساحات 2011, وأولئك الذين كانوا شباباً قبل (50) عاماً واجترحوا مآثر البطولة واسترخصوا الأرواح, على القمم الشماء في عيبان, وشمسان, ومران, والضالع, وصبر, ويافع, وصيرة... أما ما يُقال عن المنضوين تحت لواء الثورة, لقناعة بها, أو الاحتماء منها, فالكتاب يستدل عليه من عنوانه, والبحر يستدل على عمقه وضحالته, من شاطئه, وكما في الحديث النبوي “خيركم في الجاهلية, خيركم في الإسلام” فهذه أسطع إشارة إلى وجود الخير في الجاهلية من المنظور الإسلامي, الذي جاء نقيضاً للجاهلية منها, مؤسساً نهجه من خير ما فيها. لأن البشر الذين اعتنقوا الإسلام, والذين قاوموه, من نبت العصر الجاهلي, وإنما أغصنوا في ظل الإسلام, فمنهم من مال إليه, ومنهم من مال عنه, ومنهم من انتظر العقبى. وإذا لاحظنا وجوه ذلك الحين فسوف نجد أصول نقاوتها تنتسب إلى قبل الإسلام, لكي تُشمِس فيه- البردوني, الثورة والثقافة في اليمن, ص186 وعلى هذا يمكننا تحديد من التحقوا بركب الثورة الشبابية السلمية, عن قناعة بها, ومن هرولوا لركوب موجتها خشية منها والاحتماء بها. ويبقى سؤال, لا يمتلك الإجابة عنه, سوى شباب الثورة المفترش الساحات: هل ما تحقق لثورتكم بعد (22) شهراً من سطوع شمس صباحها, يرتقي لمستوى ما تقحمتموه من دواهي, وتجشمتموه من صعاب, وقدمتوه من تضحيات؟ (اتحاد الطلبة الحضارم) بين رصاص (الرابطة) في سيئون.. وقنبلتها في المكلا أخطر فترة في حياة أي كائنٍ سياسي, بل وأي كائنٍ إنساني, هي اللحظة التي يقرر فيها مواجهة الواقع. لأنه بهذا القرار يدخل في امتحان المصائر, فعلاً, فإما النجاح, وإما السقوط. “أ. محمد حسنين هيكل” على الرغم من انقضاء نحو (47) عاماً على الحدثين المفصليين اللذين سنأتي عليهما بعد قليل، غير أن جراحهما، لا تزال غائرة في النفوس لم تندمل, فالمجني عليه (الطُلاب وأهاليهم وزملائهم وأبناء محافظتهم ووطنهم) تُذكرِهُ النفوس التي زُهقت، والأعضاء التي بُترت، بما اُرتكب في حقه, فيما المتهم أو الجاني (الرابطة) كل ما يملكه حتى الآن وعلى مدى السنين الماضية, هو الادعاء بأنه بُراء من كل ما هو منسوب إليه, والقول بأنها (ستكشف الأيام من قام بذلك ثم اختفى لسنين طويلة في منحة دراسية خارج الوطن. وإلى ان تأتي الأيام بما يدحض “الاتهام, ويبرئ ساحة “المتهم” سيظل المجني عليه منتظراً. والآن نأتي على الحدث المفصلي الأول وإن شئتم (رصاص الجابري الرابطي). وعند احد المشاركين في الحدث وشهود عيانه بقية الحكاية: حدثت المظاهرة في 10 سبتمبر 1966م والمعروفة (بأحداث الرابطة) وباعثها هو أن أحد أفراد التنظيم (الجبهة القومية) في القطاع الطلابي, حدثه فيصل حسين الكثيري (ابن السلطان) بان والده السلطان قد استلم برقية من المستشار البريطاني يفيد بوصوله سيئون صباح اليوم (10/9/1966) لمناقشة المقترحات الدستورية, فما إن انتشر الخبر في أوساط المدرسين والطلبة حتى انطلقت المظاهرة الساعة التاسعة من صباح يوم 10 سبتمبر 1966 من المدرسة المتوسطة حتى وصلت إلى السكرتارية والقصر السلطاني, ووصل المستشار الساعة العاشرة والنصف فوجد المظاهرة تجوب الشوارع، وعند مرورها أمام مقر الحزب (رابطة أبناء الجنوب العربي)* وقفت تندد بالعملاء والانتهازيين وبسقوط حزب الرابطة, حينها فقد عبد الله الجابري, أعصابه وأطل من النافذة ببندقيته عيار سبعة ملم, وأطلق عدة طلقات سقط على أثرها عدد من الجرحى من بينهم, عبد القادر جواس, و برك هبيص وهما من الطلبة, وأمام هذا الحدث انضمت أعداد أخرى من المواطنين أمام القصر تطالب بإلقاء القبض على عبد الله الجابري وأعضاء الرابطة, ووصلت قوة من الشرطة المسلحة الكثيرية على رأسها القائد صالح بن سلعان, ومعه مكيرفون يطلب من الشعب الهدوء, ويقول أنه سيتأكد من هم الذين أطلقوا النار على الطلبة وسيلقي القبض عليهم, واستمرت المظاهرة في الاعتصام, حتى أُلقي القبض على الجابري)– عبد القادر أحمد باكثير, مذكرات عن مراحل النضال والتحرير, 1960- 1969م حضرموت, ط1, ج1, 2008م, ص121- *في النصف الأول من العام 1966م “اُفتتح رسمياً في سيئون مكتب رسمي لرابطة أبناء الجنوب العربي بالقرب من الناحية الجنوبية الغربية لحديقة البلدية بسيئون, بمباركة السلطات الكثيرية ورعايتها وجاء عبد الله الجابري من عدن, وهو محرر جريدة (الفاروق) التي تصدر في عدن, وشن حملة شعواء في مجلته تعرض فيها شخصياً للشباب الذين تصدروا مؤتمر الهيئات, ووصفهم بأقذع العبارات، وتوجد لدينا قصاصات من هذه الأعداد, وكان تعليقنا عليها, بقول المتنبي: وإذا أتتك مذمة من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل عبد القادر أحمد باكثير, مذكرات عن مراحل النضال والتحرير, 1960 - 1969م حضرموت, ط1, ج1, 2008م, ص103- (الرابطة) وقنبلة مسيرة المكلا إن أحداً لا يستطيع أن يحرك جموعاً كبيرة من الناس, حتى لو كان متآمراً, ما لم يمس وتراً حساساً لديهم . “د. فؤاد زكريا” صلاح بن هشان: أتذكر أنني عادةً ما التقي بالرفيق ،عبد الرحيم عبد الصادق، عند مطعم صنعاء(المكلا) وفي إحدى الليالي وجدته في انتظاري وقال لي جاءنا خبر من سيئون أن حزب الرابطة أطلق النار على مظاهرة طلابية هناك فقلت له إنه لابد من أن يكون لنا موقف نرد به على هذه العملية الإجرامية وتوجهت مباشرة إلى مقر الاتحاد(اتحاد الطلبة الحضارم) وهناك كان برفقتي سعد سالم فرج وعبد الله علي بن زقر وعدد من الطلاب وبدأنا على إعداد خطة لتنفيذها في اليوم التالي اتفقنا على الإعداد لمظاهرة طلابية. وأتذكر الآن أننا في تلك الليلة توجهنا آخر الليل إلى منزل الأخ عبد الله صلاح الذيباني وكاناً يملك دكان لبيع القماش, وقد انزعج والده من زيارتنا في تلك الساعة المتأخرة من الليل ولكن كنا بحاجة إلى (طاقة قماش) فقال لوالده هؤلاء لديهم جنازة يوم غد ويطلبون قماشا وخرج معنا على هذا الأساس فاشترينا القماش وبقينا طوال الليل نعمل على إعداد اللافتات والشعارات وكانت الأمور مرتبة على مستوى التنظيم (الجبهة القومية) وفي الصباح الباكر توجهنا إلى الثانوية ومن الثانوية انطلقت المسيرة باتجاه المكلا حتى مقر (اتحاد الطلبة) وعند عودتنا وقفنا أمام مقر حزب الرابطة. وأتذكر انه يومذاك كان الرفيق فيصل علي العطاس يلقي خطبة حماسية من على سيارة، ويندد بالعمل الإجرامي للرابطة، وكان أعضاء الرابطة مسلحين و بإمكان أي مسلح منهم اصطياد ، فيصل العطاس بطلق ناري في تلك اللحظات وللأمانة كانت جرأة وشجاعة نادرة من الرفيق فيصل أن يندد ويسب ويشتم تحت مقر حزب الرابطة ويدين مثل ذلك العمل الإجرامي، إلى أن فوجئنا بدوي قنبلة وتحولت المكلا يومئذ إلى مأتم، ولكن كان لهذه العملية آثارها الايجابية علينا والسلبية على الرابطة، حيث كشفت هويتهم أمام الجماهير،اتكأت في شهادتيه ، هذه ، والمنبثة من الورقة البحثية، فضلاً عن شهادات رفاقه(عباس العيدروس، عبدالرحيم عبدالصادق ، خالد عبدالعزيز)، ورئيس حزب الرابطة في حضرموت (1966) سالم حسن باجوه، على نسخة من ملف وثائقي بلقاءات مع من عدد من مناضلي الثورة ، وثوار حرب التحرير ،مُهدى لي من الزميل والصديق الخلوق الأستاذ الإعلامي سالم بن غالب بن بريك، عند زيارته لصنعاء في العام 2009م، فلهُ جزيل شكري وعظيم امتناني عبر المسافات الطوال. كانت الرابطة تعتبر الطلبة خطراً عليها وتحقد عليهم لأنه ما كانت تخرج مظاهرة إلا وترى الطلاب في مقدمتها, ونحن في الجبهة القومية كنا نعتبر الطلبة أولادنا وفلذات أكبادنا وهم المستقبل لبلدهم . وفي يوم السبت الموافق 10 سبتمبر سنة 1966م وصلنا خبر من سيئون أن المندوب السامي البريطاني سوف يصل سيئون في زيارة للسلطنتين الكثيرية والقعيطية, فأعطت الجبهة القومية توجيهات للقيادة الطلابية في الداخل(الوادي) وقررت القيام بمسيرة طلابية احتجاجا على هذه الزيارة وتأكيدا على مطالب الجبهة القومية في لاعتراف بها وحق تقرير المصير والاعتراف بالقرارات الصادرة عن الأممالمتحدة بشأن الجنوب العربي. وأثناء مرور المسيرة تحت مبنى فندق بسيئون كان يقيم فيه عبد الله الجابري احد قادة الرابطة لم يستطع الجابري أن يتمالك أعصابه وهو يرى هذه المظاهرة الحاشدة تهتف وهي تحمل لافتات الجبهة القومية فحمل بندقيته وأطلق النار على الطلبة وأصاب عدد منهم.. برك هبيص بُترت يده نتيجة للإصابة،وأحدثت العملية نوعا من الاستياء والاستنكار في أوساط الناس، وتفاصيل هذا الحادث وصلت في برقية مرسلة من سيئون إلى المكلا، إلا أن مسئول البرقيات في المكلا كان عضوا في الجبهة القومية فأخفى البرقية عن السلطات، واحضرها لنا، فقررنا تسيير مظاهرة كبرى، في المكلا، احتجاجاً على هذا الفعل الشنيع، ضد طلابنا في سيئون، وقررنا أن تتحرك المظاهرة صبيحة يوم الاثنين 12 سبتمبر عام 1966م. وفي نفس هذا اليوم تحركت المظاهرة حوالي الساعة الثامنة صباحا وكنتُ وقتها، أقوم بالتدريس، في ثانوية المكلا، ومررنا على المدرسة الوسطى في الشرج (حي العمال)والتحق بنا طلاب هذه المدرسة، وكلما قطعنا خطوات، التحقت جموع من الناس بنا، وسارت المظاهرة حتى السكرتارية في (المبنى المطل على سكة يعقوب) وهناك قام الرفاق بإلقاء الكلمات المنددة بالفعل الذي قام به العضو الرابطي، وبانتهاء إلقاء الكلمات المنددة تفرقت جموع المتظاهرين ،وفي طريق عودة الطلبة إلى مدارسهم لاستكمال اليوم الدراسي، مررنا تحت مقر حزب الرابطة، وكان كل أعضاء قيادته موجودين فيْ، فألقى احدهم قنبلة بين الطلبة فأوقعت شهيداً (خالد بن هامل) واحدا وخمسين جريحا، وكانت جراح البعض منهم خطيرة، مثلا جعفر باصالح بُترت ساقه. وكان معظم المصابين من الطلبة. وبهذا الفعل، ساد تنديد، وغضب ،وحاول البعض من المواطنين اقتحام مقر الرابطة، لكن الشرطة سارعت باعتقال الموجودين داخل المقر. الجبهة القومية قامت بعملية ضغط كبيرة جدا، على السلطات، من أجل أن تكون حازمة مع المجرمين ،فأصدرنا بيانا، دعونا فيه، إلى إضراب شامل، وقد قامت السلطات باعتقال الرفيقين فيصل العطاس وخالد باراس لتخفيف حالة الهجيان الجماهيري، ولخوف السلطة ، من حدوث صدام، بين الرابطة والجبهة القومية قامت بعملية الاعتقال، نوعاً من الوقاية، حتى لا يتأزم الموقف، من وجهة نظرها، ونتيجةً للغيظ الجماهيري ألقت السلطة القبض على قيادات الرابطة وقدمتهم للمحاكمة . بدورنا قمنا بتوزيع منشور وتنظيم لقاءات في أكثر من مكان، ودعونا لمؤتمر الهيئات، الذي عُقد في الشحر في 23 سبتمبر وشكَّلت الهيئات, لجنة للمتابعة، فأرسلنا الأخ فيصل العطاس إلى القاهرة، من اجل الاتصال باتحاد المحامين العرب، والحصول على مساندتهم بإرسال بعض المحامين ولكن السلطات البريطانية لم توافق على منح تأشيرة لهم، بالرغم من أن حزب الرابطة أثناء المحاكمة استقدم محامين. و بعد هذه الحادثة لم تقم للرابطة قائمة. كما شُكلت لجنة للتبرعات لصالح المصابين ، و تم إرسال جعفر باصالح إلى لندن وعملت له ساق صناعية كذلك برك هبيص عُملت له، ذراع صناعية، وجمعنا التبرعات، ووزعناها على أهالي المصابين، كما نظمنا زيارات للجرحى في المستشفى وكنا على اتصال دائم بهم. قامت الرابطة, بالتصدي لمظاهرة طلابية, واستخدمت الرصاص, في سيئون, ضد الطلاب, ووصلنا الخبر عن طريق شبابنا, قبل أن يصل إلى السلطة, فعقدنا اجتماعاً للشعبة التنظيمية, وقررنا القيام بتعبئة جماهيرية واسعة (لحرق) الرابطة, شعبياً ووُزعت الأدوار بيننا, وبعد خروجي من هذا الاجتماع, توجهت لصلاح بن هشان وسعد سالم فرج وبلّغتهم بالقرارات, وكلفتهم بالتحرك إلى المدرسة الثانوية, للقيام بالترتيبات لتنظيم مظاهرة وأعطيتهم الشعارات, والهتافات, وخط سير المسيرة بحيث تتوقف أمام مقر الرابطة في المكلا, ومحاصرة المقر, بتجميع اكبر عدد من الناس, لأن الهدف النهائي هو (إحراق) حزب الرابطة جماهيرياً وقد استشهد في هذه المظاهرة الطالب خالد بن هامل وسقطت الرابطة. فحزب الرابطة بعد هذه الأحداث تعرض لضربة قوية, شلت نشاطه وجعلته ينشط بمحدودية. الرابطة, كان لها بعض الوجود الشعبي, ولكن بعد أحداث القنبلة, انتهت في حضرموت, ولكنها لم تنته في عدن, ولحج, و أحداث الرابطة بدأت في سيئون, بخروج مسيرة طلابية, أطلق عليها عبد الله الجابري الرصاص, و لما وصل الخبر إلى المكلا، تحرك القطاع الطلابي, تضامناً مع فرعه في سيئون, وقام بمسيرة كبيرة ندد فيها بإطلاق الرصاص على الطلاب, وسارت المسيرة في الشارع الرئيسي بالمكلا, وعند عودتها من سكة يعقوب, وأثناء مرورها تحت مقر الرابطة, وقد كانت به مجموعة من أعضاء الرابطة متواجدين وكأنهم استفزوا الطلبة, فقام الطلاب, يهتفون ضد الرابطة.. وتصاعدت الأحداث مما أدى بأحد أعضاء الرابطة المتواجدين في المقر, بأن يرمي بقنبلة, استشهد على إثرها, الطالب خالد بن هامل. كما أصيب عدد كبير من الطلبة من بينهم جعفر باصالح, بعد ذلك تمت محاكمة قيادة الرابطة على هذه الأحداث المؤسفة. الرابطة بعد هذه الأحداث, فروا من حضرموت, إلى دولة مجاورة, وسقط حزب الرابطة في حضرموت. سالم حسن باجوه.. رئيس حزب الرابطة بحضرموت عام 66م. • انضممت لحزب الرابطة, أواخر عام 61م أو 62م, بواسطة الصديق الحميم, سالمين عمران باصرة, حتى إن وصولي لرئاسة الحزب, كان له الفضل فيه. وللحقيقة فالذي أسس فرع الحزب في حضرموت هو ولست أنا, فأنا لا أعرف شيئاً عن التأسيس, ولكن الحماس, والاندفاع, والتوق للحرية, والجرأة, والنشاط, كل هذه الصفات كُنت أتحلى بها. وهذه الصفات كانت مطلوبة ومرغوبة. واذكر أنه أثناء تأسيس فرع المكلا, بعد إطلاق قانون الحريات, عُقد اجتماع, ضمَّ عدداً كبيراً, من الأعضاء, وحضر هذا الاجتماع, عدد من الكوادر كمرشحين لرئاسة الحزب وهم: - مبارك يسلم بن عمر. - سالمين عمران باصرة. - محمد عمر الحيد. - سالم حسن باجوه. فكان لسالمين عمران باصرة, دور في تزكيتي للرئاسة مع أنه كان ضمن قائمة المرشحين. • نحن تقدمنا بعد إصدار قانون إطلاق الحريات 64-65م بهذه المبادرة, حيث كان حزبنا يعمل سراً, قبل إصدار هذا القانون, ولكن انتقل نشاطنا إلى العلن بعد إصدار القانون, وهو لا يمنع أي حزب من أن يمتد نشاطه خارج حدود السلطنة, فتقدمنا بهذه المبادرة, وحاولنا تأسيس هذا الحزب, أما عن الاسم الذي ذكرته (الحزب الاشتراكي العربي) لسنا نحن الذين تقدمنا بهذا الاسم. • هذه الأحداث التي وقعت في سيئون يقال إنها في 9 أو 10 سبتمبر, حقيقة ليس لدي علم بها حتى12 سبتمبر. في صبيحة هذا اليوم, 12 سبتمبر, علمت أن الطلبة في المكلا, يعتزمون الخروج في مظاهرة احتجاجية, استنكاراً لهذا الحادث, الذي وقع في سيئون لزملائهم, وأنهم يتجمعون في ثانوية المكلا.. وقد كشفت الأيام فيما بعد أن أيادي خفية خلف هذه الأحداث. • قنبلة الرابطة, كما قيل, أنا بريء منها, وكذلك حزب الرابطة, قادةً وقواعد, فهذه كلها اتهامات باطلة مختلقة, فالقنبلة هي قنبلة صلاح بن مهنأ, صحيح أنا كنت في مقر حزب الرابطة أثناء سير المظاهرة بجانب المقر, وأيضاً لحظة إلقاء القنبلة, من مقر حزب الرابطة, باتجاه الطلبة, والكل يعرف أن كثيراً من الاعترافات تأتي تحت الضغوط النفسية, أو التعذيب بالضرب, وهذا لا يعني أن الاعترافات لا تأتي إلا تحت التهديد, بل إن هناك كثيراً من الاعترافات تأتي طواعية, لصحوة في الضمير, مثلاً, بعد ارتكاب جُرم أو ذنب, غير أن هذه الاعترافات, التي هي منسوبة إليَّ انتزعت منا بقوة التعذيب والضرب في مختلف أنحاء الجسم, نزع الأظافر, التعليق في الهواء مع الضرب, كما هُدد بعضنا بإدخالهم, في براميل بها مياه باردة وأخرى ساخنة. • ممن حققوا معنا أنا اعرف الرائد محمد عبود الكثيري, وهو نفس الشخص الذي كان المدعي العام عند محاكمتنا, وكنت اعرف عنه, انه صهر للمشير, صالح يسلم بن صميدع القائد العام للقوات المسلحة القعيطية - وجهت لكم اتهامات عديدة في صحيفة الاتهام, منها المساهمة في نقل أسلحة, من لحج في سيارة لاندروفر, عبر المشهد, وأحضرتها إلى منزل ..... بن مرضاح العضو الرابطي, وإنكم ترأستم اجتماعاً في بيته قبل وقوع حادث القنبلة بيوم واحد في 11 سبتمبر في منطقة (ديس المكلا) ونتج عن هذا الاجتماع, كما ورد أثناء المحاكمة, في صحيفة الاتهام, تشكيل مكتب عسكري, برئاسة العضو الرابطي عبدان, وتم أيضاً توزيع المهام بينكم, وإنكم اتخذتم لأنفسكم أسماء مستعارة (بغرض التمويه) منها على سبيل المثال حسام العرش, (لك)؟ • من حق كل حزب, في تلك الفترة الكفاحية, اختيار, واتخاذ, أساليب معينة للعمل, كاتخاذ الأسماء المستعارة ضماناً للسرية, وكذلك من حق كل حزب, أو تنظيم, في تلك الفترة, أن تكون له قيادات عسكرية. أما قولي عن الاتهام الأول كما ذكرت, أنا اليوم وفي 2 يونيو 2000م صدقنا, منذ أن خلقت وحتى هذا التاريخ, لقد حوكمنا بذنب لم نرتكبه, كما أنني ومنذ أن خلقت, وحتى هذه اللحظة, اقسم بالله العظيم ثلاثاً, وأنا في هذا السن 70 عاماً لا أعرف لحج, ولم أزرها حتى اليوم إطلاقاً. - حزبكم كان من أنصار الخيار السلمي سبيلاً لإنجاز الاستقلال.. ما الذي دعاكم في هذا الاجتماع ب(منزل بن مرضاح) إلى تشكيل مكتب عسكري وتشكيل فرق ردع كما ورد في محاضر التحقيق؟ • أنا قلت لك, من حق كل حزب, أن يكون له فكر, وخيار, وأنت تعرف, أن هناك كلاماً عن المال, ويصبح هذا الكلام مجرد ثرثرة فقط. كلام للنقاش فيه عمل ينفذ, وفيه عمل لا ينفذ. واستطيع أن أؤكد لك أننا لم نقم بأي اعتداء لا بقنبلة ولا برصاصة ولا بعصا ولا حتى بحجر. - وما الأسلحة المضبوطة في مقر حزبكم بعد حادث القنبلة ومن هذه الأسلحة قنابل ورشاشات ومسدسات؟ • المسدسات أعتقد أنها خاصة ببعض الأعضاء, فالبعض منهم يحملون تراخيص. - والقنبلة التي ألقيت على الطلبة من مقر حزبكم؟ • أولاً.. لعلمك, المظاهرة جاءت من الشرج, ومرت تحت مقر حزب الرابطة, ولكن عند عودتها, دخل علينا رجل, يدعى صلاح سالم بن مهنأ, وحقيقة أنا لا اعرفه, ولكن هو الذي ابلغني باسمه, كما إنني لم التق به قبل ذلك اليوم، جلس إلى جانبي وقال لي «أنا جئت مدافع عن الحزب وعندي قنبلة دخانية اهديها للحزب للدفاع عن نفسه» فقلت له (نحن لا نعرف لا قنبلة دخانية, ولا غيرها, ولا نقبل قنبلتك). فخرج من عندي وبعد لحظات سمعت دوي الانفجار. والمقر, كان عبارة, عن أربع غرف, كنت لوحدي في غرفة الأمانة العامة, والآخرون كانوا يتنقلون من غرفة إلى أخرى, منهم بركات باوزير. - كيف لم تلتقي, بصلاح سالم بن مهنأ قبل ذلك اليوم, وفي محضر التحقيق, ذكرت انه حضر, وشارك في الاجتماع الذي تم في منزل بن مرضاح؟ • أبداً أقسم بالله العظيم وبسمائه وأرضه لا أعرف صلاح بن مهنأ ولم التق به, إلا في تلك الساعة, وباعتقادي, أنها اقل من ربُع ساعة اللي قلت له فيها لا اقبل القنبلة. • نحن فرع من حزب رئيسي, ولدينا في حضرموت هيكل هرمي خاص, وشُعب, ثم فرق, ثم حلقات, وهي موزعة على كافة القطاعات المدنية والعسكرية. •وفي السلطنة الكثيرية, الرابطة يقودها عبدالله الجابري, رحمه الله, وربما هناك تشكيلات في وثائق قيادة الحزب بسيئون أنا لا اعرف عنها أي شيء. - إحدى مراسلات فرع دوعن في تلك الفترة كانت تشكو من الإهمال وانعدام التنسيق لنشاطكم؟ • أولاً.. ينبغي أن تعرف, أنني أنا, وسالمين عمران باصرة, من كونا هذا الفرع (الحزب). وبصراحة, أعضاء هذا الفرع, انحازوا في الأخير إلى جانب الجبهة القومية, ولذلك أصبح نشاط فرع دوعن شبه مجمد. • شيخان الحبشي, هو أستاذ, وصديق, ووجدت فيه الأخ الرحيم, والصديق الحميم, والأستاذ الحكيم, والقائد العظيم, وسأظل احمل له كل تقدير واحترام, وشيخان الحبشي ليست له أي صلة بأحداث القنبلة, فالرابطة, قيادات, وقواعد, تعرضت لمؤامرة, وأثناء ما كنت في السجن سلمني الرائد محمد عبود الكثيري برقية قبل أن يرسلها للأستاذ شيخان الحبشي واذكر جيداً ما جاء فيها: تقول، باجوه هل تستطيعوا الدفاع عن أنفسكم, هل تريدون محامين للدفاع عنكم وكنت أنا الوحيد في سجن المنورة أما زملائي الآخرون موزعون في سجون أخرى كالشحر وبروم ومناطق أخرى, وطلب مني الرائد الكثيري الرد وبعد لحظات من التفكير قلت لا نريد محامين, نحن نستطيع الدفاع عن أنفسنا. فرد الكثيري عليّ, قل أنا.. قلت البرقية لسالم باجوه, وزملائه, وليست لي وحدي.. والحقيقة, كنت اعتقد أني قادر على الدفاع عن نفسي, وان غيري قد لا يستطيع, والحقيقة انه حضر محام لبناني كما اعتقد للدفاع عنا. • المحكمة كانت برئاسة بدر الكسادي نائب لواء المكلا (أمين العاصمة) حينها وعضوية كل من: - اللواء صالح يسلم بن صميدع.. القائد العام للقوات المسلحة القعيطية. - احمد عبد الله اليزيدي.. قائد جيش النظام. - ناصر عوض البطاطي.. قائد الشرطة المسلحة. - الرائد محمد عبود الكثيري.. المدعي العام للمحكمة. وقيل إنهم كانوا يريدون أن يرأس هذه المحكمة السيد عبد الله محفوظ الحداد، فرفض، أو هم رفضوا, والله اعلم.. من مكونات الحركة الطلابية اليمنية اتحاد الطلبة الحضارم / نموذجاً الحركات الطلابية في بلادنا, أعمدة ضوئية لِعَلَمِ الثورة.. وانهار نارية على طول الخط التحركي. “أ. عبد الله البردوني” كما في كل عمل, أو مشروع يحقق نجاحاً, يكون بمثابة المولود الجميل المكتمل النمو, الكُل يدعي أبوته, وانتسابه إليه, فيما العمل أو المشروع النقيض، أشبه ما يكون بالمولود الخديج اللقيط الكُل يتبرأ, وينفض يده منه, و(اتحاد الطلبة الحضارم) من مكونات الحركة, الوطنية, اليمنية, التي يمكننا إدراجها ضمن الأعمال, أو المشروعات الناجحة, وبالتالي المتنازع عليها من حيث فترة التأسيس, والمبادرة للتبكير بتأسيسه, فضلاً عن مؤسسيه, واللافت, أن المؤسسين, المختلفين, في رواياتهم, حوله هُم من نبعٍ واحد (الجبهة القومية) وهاكم شهادة كل منهم بنصها الحرفي, للأمانة التاريخية. *علي سالم البيض: (أكتوبر 1988) (بدأت العمل السياسي في اتحاد الطلبة الحضارم، في نهاية الخمسينات (58- 59م), وكُوِنَّ هذا الاتحاد في عدن, عندما كنا ندرس في المعهد الفني, ونسكن في داخلية كلية عدن, وشكّلناه من الطلبة الحضارمة, المبعوثين للدراسة من حضرموت, إلى عدن, فعدن بالنسبة لنا في ذلك الوقت كانت مهجراً. عبد الرحيم عبد الصادق باوزير: (التحق بكلية عدن في العام 1960م وكان صديقاً لحركة القوميين العرب ثم عضواً فيها في العام 1962م بعد إقناع محمود سعيد مدحي, علوي السقاف, عبد الله صالح البار, له بالانضمام إليها) لا نحسب روايته ببعيدة عن سابقتها, وان اختلفت في بعض التفاصيل, والاستفاضة فيها، ولنطالع النص الحرفي لرواية / شهادة الباوزير: (اتحاد الطلبة الحضارم أُسس في عام 1960م, و كانت هناك تحضيرات سبقت التأسيس الفعلي في عام 60م. وجرت هذه التحضيرات بين أوساط الطلبة الذين كانوا يدرسون في عدن, حيث شكّلوا من بينهم لجنة تحضيرية, قامت بإعداد مسودة الدستور, ووضع الأسس والهياكل, لإنشاء الاتحاد, ومن ثم النزول إلى المدارس المتوسطة في حضرموت. وفي تلك الفترة التي تشكَّلت فيها اللجنة التحضيرية هذه كنت ادرس في المدرسة المتوسطة في الغيل (غيل باوزير) في السنة النهائية, وأتذكر أن الرفيق علي البيض قد اجتمع مع مجموعة من طلبة هذه المدرسة, وكنت احدهم, واتفق معنا على أن استلم قيادة الاتحاد في الداخل (يقصد وادي حضرموت أو نطاق السلطنة الكثيرية), ومتابعة التحضيرات لإنشاء الاتحاد, ومفاتحة السلطات بإعطاء الشرعية لنشاطه. بعد هذا الاجتماع وانتهاء العام الدراسي غادرنا المكلا إلى عدن في العام الدراسي الجديد. وفي أكتوبر, عام 1960م, عُقد اجتماع موسع للطلبة الحضارمة, الدارسين في كلية عدن, وتم تشكيل لجنة تحضيرية لأعمال المتابعة, كنت أنا أحد أعضائها ، وعبدالله البار ، وأحمد سعيد باصالح, واستطيع القول إن قيادات المرحلة الأولى هم ، علي سالم البيض, وحيدر أبو بكر العطاس, وأحمد مبارك بلعفير, وعباس حسين العيدروس فهؤلاء قاموا بإبراز الفكرة, ولكن تبلورها, ودخولها حيز التنفيذ, كان في العام 60/ 61م. لأنهم كانوا قد تخرجوا في كلية عدن ونحن استلمنا العمل القيادي مكانهم, وتابعنا الإجراءات مع السلطات, واستصدرنا الترخيص بنشاطه, وشُكِلت لجان الاتحاد على النحو التالي: اللجنة العليا (في عدن وهي القيادة المركزية لنشاط الاتحاد) ومكونة من: عبد الله البار, عبد الرحيم عبد الصادق باوزير, أحمد سعيد باصالح, فيصل الكسادي، وخامس لا تسعفني الذاكرة باسمه الآن. لجنة فرعية بالمكلا مكونة من: صلاح علي بن هشان, وسعد سالم فرج, إلى جانب آخرين لا أتذكر أسماءهم الآن. لجنة فرعية في سيئون (لم يأت على ذكر أحد منهم) ويستطرد: الاتحاد قام بدور سياسي نشط, رغم الحظر على نشاطه في الجانب السياسي من قبل السلطة, ولكن دخلنا في صراع مع السلطة في حضرموت, في ذلك الحين, لإقرار كثير من بنود دستور الاتحاد, وكان للسلطة تحفظات على كثير من بنود الدستور, حيث تم شطب كل الجوانب المرتبطة بالنشاط السياسي والنقابي, وحاولت أن تجعل من الاتحاد إطاراً, يوحد نشاطات الطلاب المدرسية, بدون إقحامهم في النشاطات الأخرى, الاجتماعية, والسياسية, والنقابية, وتم تصديق السلطة على الدستور بعد إجراء عمليات الشطب والحذف, وبدورنا كنا بحاجة أولاً إلى استصدار ترخيص يسمح لنا بالنشاط, ومن ثم استقطاب الطلبة إلى هذا الإطار، ولهذا قبلنا بالحد الأدنى, بأن نعمل في الظاهر حسب البنود المُعلنة, وفي نفس الوقت ظللنا نمارس من خلال الاتحاد كثيراً من النشاطات المحظورة، وفي تلك الفترة كان اتحاد الطلبة الحضارمة هو الذي يقود الحركة السياسية في حضرموت, ولعب دوراً بارزاً, في تحريض الجماهير, وتحديد مواقف فاعلة, ومن الأحداث المحلية, والعربية, والدولية. لكن التحول الهام في نشاطه بدأ في العام 64م لأن بعد 64م استخدم الاتحاد, أداة, أو وسيلة, لتوسيع قاعدة التنظيم (الجبهة القومية) في أوساط الطلبة, وهذا يعني, انه تحول بدرجة رئيسية, إلى النشاط السياسي التنظيمي السري, إلى جانب العلنية في استقطاب أوسع عدد من الطلبة لعضوية الاتحاد لتمكينه من ممارسة نشاطاته الجماهيرية والسياسية وهذا يعني أن قيادة الاتحاد كانت تقوم بدور مزدوج. ويخلُص باوزير للقول: القطاع الطلابي, كُنت أنا المسئول المباشر عنه, وحلقة الاتصال الوحيدة للرابطة الطلابية, بالقيادة. وكانت القيادة الطلابية في هذه الفترة مكونة من اثنين فقط, صلاح علي بن هشان وسعد سالم فرج, وكانت موزعة على مجموعتين: صلاح بن هشان يترأس الخلية القيادية الأولى وسعد سالم فرج يترأس الخلية القيادية الثانية وفي البداية لم يكن (سعد) يعرف أعضاء الخلية القيادية الأولى, وكذلك صلاح بن هشان لا يعرف أعضاء الخلية الثانية، ولكن بعد أن تعززت الثقة بدأت عملية التعاون من خلال النشاطات المتكاملة في إطار هذا القطاع. - عباس حسين العيدروس (رئيس نقابة المعلمين في حضرموت 1966م, ومدير التربية والتعليم فيها بعد الاستقلال) : التحقت بحركة القوميين العرب سنة 1959م, من بين طلبة كلية عدن في ذلك الوقت, وكنت وزميلاً لي اسمه منصور عوض بن زيمة، يعمل الآن محاسباً في سفارتنا بموسكو, أول اثنين من حضرموت التحقا بحركة القوميين العرب، وفي تلك الفترة أول عمل بدأنا به, هو أن نقيم اتحاد لطلبة حضرموت, ومن خلال علاقتنا بزملائنا في القسم الداخلي في كلية عدن بدأنا العمل, ومحاولة استقطاب عناصر من بين طلبة الداخلية, في محاولة للم شمل الطلبة, من أبناء حضرموت, بهدف تكوين هذا الاتحاد, خصوصاً, وانه في تلك الفترة كانت السلطات الاستعمارية في عدن, تعارض قيام أي اتحاد طلابي بعد إضرابات 56م, وإلغاء الاتحاد الطلابي في عدن, ولذلك كانت الفكرة من خلال المناقشات في إطار حركة القوميين العرب, قيام اتحادات طلابية في مناطق مختلفة من البلاد, تمهيداً لإنشاء الاتحاد الطلابي الشامل لكل أبناء الجنوب, مع مراعاة الظروف القائمة في ذلك الوقت. ونجحنا في عملنا بتشكيل لجنة تحضيرية لتكوين الاتحاد بحضرموت بسلطنتيها القعيطية والكثيرية وانشأنا اسم الاتحاد وأطلقنا عليه (اتحاد الطلبة الحضارم) وانتخبتُ رئيساً للجنة التحضيرية ومن ضمن أعضاء اللجنة, علي سالم البيض, حيدر أبو بكر العطاس, منصور عوض بن زيمة, أحمد مبارك بلعفير وأحمد بن سلمان. وأصدرنا بيان التشكيل ونشرناه ومن بين المجلات التي نشرته مجلة (الفجر). كما أرسلنا هذا البيان إلى رفاقنا وأصدقائنا في البلاد العربية. ونخلص من الشهادات/ الروايات الثلاث التي أثبتناها بنصها الحرفي ل(البيض, باوزير والعيدروس) إلى انه ثمة إجماع أو شبه إجماع بين المتحدثين على أن (اتحاد الطلبة الحضارم: - تعود فكرة تأسيسه لحركة القوميين العرب. - إنباته, وتخلقه, وترعرعه كان في عدن (كلية بلقيس, المعهد الفني. -كان له قيادة مركزية (لجنة عليا) في عدن, ولجنة فرعية في المكلا, وأخرى في سيئون. -عمل وفق دستور, وأسس, وهياكل أنزلت للنقاش, في أوساط الطلاب بمدارس حضرموت قبل إقرارها والعمل بها. - أن السلطة الحاكمة في حضرموت (السلطنة القعيطية) تحفظت “على كثير من بنود الدستور” وعمدت لأن تجعل من الاتحاد “إطاراً يوحد نشاطات الطلاب المدرسية دون إقحامهم في النشاطات الأخرى الاجتماعية والسياسية والنقابية” وبالتالي لم تمنحه ترخيصاً بمزاولة النشاط إلا بعد “شطب كل الجوانب المرتبطة بالنشاط النقابي والسياسي” من الدستور. - اطلاعه بقيادة الحركة السياسية في حضرموت ولعب دوراً بارزاً في تحريض الجماهير, وتحديد المواقف المتفاعلة مع الأحداث المحلية والعربية والدولية. - استخدم بعد العام 1964م أداة أو وسيلة لتوسيع قاعدة التنظيم (الجبهة القومية) في أوساط الطلبة, فكان يقوم بدور مزدوج, النشاطات السياسية التنظيمية (سراً) والجماهيرية المستهدفة توسيع قاعدة العضوية في الاتحاد، علناً. - قياداته المؤسسة ولجانه الفرعية والاختصاصية أبرزها وأهمها البيض, العطاس، بن زيمة, بلعفير, بن سلمان, العيدروس وسعد سالم, بن هشان, باوزير, البار، باصالح, الكسادي. عبدالقادر احمد باكثير (عضو القيادة المحلية للجبهة القومية, حضرموت) قام مركز سيئون بفتح فروع له في كل من :تريم, وشبام, والحوطة, وساه, والقطن، وبور, ومدودة, حيث يوجد عدد كافٍ من الطلبة لسير العمل, حسب المادة من دستور الاتحاد الخاصة بذلك, وقد صُرفت لهم بعض النقود لشراء اللوازم الأولية. لم يستطيع مركز المكلا –في بداية الأمر- فتح فروع له في المدن, والقرى المجاورة والتي تتوفر فيها نسبة الشروط المطلوبة, لعدم موافقة النواب (المحافظين) والقُوام (جامع قائم وهو بمقام المأمور أو مدير المديرية، اليوم) في تلك المناطق , وإصرارهم على طلب موافقة رسمية من الحكومة, بالرغم من صدور الترخيص, ولكنه تمكن أخيراً من فتح فروع له في الغيل (غيل باوزير) والشحر والحامي, والديس الشرقية, بعد أن سمحت الحكومة بذلك, وقد مُولت هذه الفروع بالأدوات الأولية من مالية الاتحاد العامة.( انظر بعد انتهاء شهادته مالية الاتحاد بين عامي 1959/ 1962بصفحة 29 من الورقة البحثية هذه). وتم توزيع بطاقات العضوية على الطلبة الراغبين في الانضمام إلى (اتحاد الطُلاب الحضارم) واستمرت اللجنة العليا تقوم بتوزيع البطاقات على الطلبة, فكان على كل طالب راغب في العضوية وامتلاك بطاقة, إشعار المسئولين في الأماكن القريبة منه, بعد إحضار صورته ورسوم الدخول (العضوية). - باكثير, عن مراحل النضال والتحرير, 1960-1969م, حضرموت, ط1, ج1, 2008م, ص49 الشهادات و الروايات.. نقايض وأضداد وعن الشهادات والروايات يقول محفوظ سالم ولا بأس, من أن نقف الآن, على شهادات نقائض, لسابقاتها لاستيفاء الرؤية كاملة, من جميع أوجهها ومختلف زواياها, ومن خلال المشاركين في تأسيس, هذا الإطار ومعاصريه. فيصل علي العطاس, الشهير ب (النعيري- نسبة إلى قريته النعير في مديرية عمد(كانت البداية, عندما كنت طالباً في كلية عدن, حيث شاركت في النشاطات السياسية, من خلال العلاقة مع بعض الأحزاب السياسية, من بينها حزب رابطة أبناء الجنوب, وكان كثير من أعضاء حركة القوميين العرب, أعضاء في هذا الحزب, وفي هذه الفترة لم أكن عضواً فيه, وإنما كنت احد مناصريه, احضر الاجتماعات, والاحتفالات, التي كان يقيمها, وكثير من الطلاب كانوا مناصرين له, وكنا معروفين للسلطات, وحدث أننا تزعمنا إضراباً عاماً في كلية عدن وتوسع ليشمل كل مدارسها, وعلى إثر هذا الإضراب فُصلتُ من الكلية أنا وسعيد عبد الخير النوبان وسالم محمد عبدالعزيز وآخرون. وفي هذه الفترة كانت بدايات الوعي السياسي لديّ, ومن ضمن الأشياء التي عُوقبت عليها, حضوري اجتماعاً لحزب الرابطة مع بعض الزملاء وصدرت بحقنا عقوبة الجلد وقد رفضت هذه العقوبة. ويأتي كما يُقال إلى بيت القصيد, ومربط الفرس, (اتحاد الطلبة الحضارم) ففاجأنا بالنقيض لما تقدم من إفادات/ شهادات بقوله: قانون إطلاق الحريات العامة (صدر في السلطنة القعيطية منتصف العام 1965م) ساعدنا كثيراً, إذ استطعنا أن نُكوِن اتحاد الطلبة الحضارمة, وأقول إن هذا الاتحاد, جاء بعد إصدار هذا القانون, وليس كما أشار البعض. فإن من يرى أن هذا الاتحاد شُكِل في عدن, فهذا في رأيي اتحاد وهمي, لم نسمع, ولا نعرف عنه شيئاً, ولا أثر له على صعيد الواقع. واذكر أن الأخ حيدر أبو بكر العطاس, هو الذي صاغ لنا, القانون الأساسي, لاتحاد الطلبة الحضارم واستطعنا من هذه الصيغة صياغة القوانين الأساسية للنقابات العمالية التي انشأناها فيما بعد. ومن شهادة (العطاس) يمكننا استشفاف نفيه القاطع لوجود ( اتحاد الطلبة الحضارم( في عدن البتة, وبرأيه أنه مجرد “اتحاد وهمي وبالتالي فكل ما قيل عنه من منظوره وارتبط به مجرد وهم ليس إلا, وكل ما يؤكده في حديثه, أن ذلك الكيان لم يؤسس, إلا في حضرموت (المكلا), بالاستفادة من الهامش الديمقراطي المتاح في قانون إطلاق الحريات العامة الذي أصدرته السلطنة القعيطية منتصف العام 1965م والذي استثمرته الجبهة القومية في تأسيس وإنشاء مؤسسات أو تشكيلات شعبية كما يسميها عضو القيادة العامة للجبهة, خالد عبد العزيز, وقد حرصنا على إثبات شهادته هنا لما لها من أهمية في تدعيم ما ذهب إليه رفيقه العطاس. خالد عبدالعزيز: طبعاً إلى جانب التنظيم (الجبهة القومية) هناك واجهات علنية استخدمت غطاءً, مارس التنظيم نشاطه من خلالها, ومنها القطاع الطلابي. وهذه تشكيلات أنشأت بعد إطلاق قانون الحريات في يونيو 1965م من قبل وزير الدولة )سكرتير السلطنة القعيطية) أحمد محمد العطاس, وكنت حينها مسئول السكرتارية بوظيفة مسئول القطاع القانوني وأوكلت لي مسئولية الإشراف على تنفيذ مشروع الحريات العامة, فانتهزنا الفرصة بأن أنشأنا المؤسسات الشعبية التي كانت بمثابة الغطاء الذي ينشط من خلاله تنظيم الجبهة القومية. ويقف بنا تطوافنا التمحيصي في شهادات موثقة لمعاصرين ومشاركين في التأسيس والقيادة ل(اتحاد الطلبة الحضارم), عند شهادة أحد قُطبي رُحى قيادة الاتحاد, وكما هو مشهود وملموح لكم من الشهادات التي كنا قد سُقناها على السطور السالفة فقد اجمع المتحدثون على اضطلاع المناضلين سعد سالم فرج وصلاح علي بن هشان بقيادة الاتحاد أو مشاركة احد أو آحاد لهما في ذلك عند المناضل بن هشان, بقية الحكاية: بداية ارتباطي بالعمل التنظيمي الجماهيري كان منذ عام 1962م عندما انضممت إلى حركة القوميين العرب وقتئذ كنت في المرحلة النهائية من المدرسة المتوسطة وقد ضمني إلى صفوف الحركة الأخ أحمد مبارك بلعفير، والحركة وكما هو معروف تبنت أسلوب الكفاح المسلح لطرد المستعمر والسلاطين وباعتباري عضواً في حركة القوميين العرب انضممت واحداً من أفراد أعضاء الحركة إلى تنظيم الجبهة القومية في عام 1963م وكان برفقتي سعيد سالم فرج, وعبد الله علي بن زقر وكنا الثلاثة نقود العمل الطلابي في المدرسة الثانوية من خلال النشاط التنظيمي السري ضمن إطار الجبهة القومية. واتحاد الطلبة الحضارمة كانت منظمة جماهيرية تقود جموع الطلاب في السلطنتين القعيطية والكثيرية حينذاك وكانت هي المنظمة الطلابية التي ترعى مصالح الطلاب وحقوقهم من خلال تبنيها لآراء الطلاب في مسألة المناهج والحقوق النقابية لهم والاتحاد كان يضم مجموعة كبيرة من الطلاب وتقوده عناصر من تنظيم الجبهة القومية وبشكل سري وكان هذا الإطار النقابي الجماهيري يتخذ واجهة علنية لتحقيق سياسة الجبهة القومية وقد كان للمدرسة الثانوية دور كبير جداً من خلال كسبها العديد من الطلاب إلى صفوف التنظيم وكانت بمثابة مركز رئيسي للنشاط الجماهيري حيث كانت المسيرات تنطلق منها وتكاد تكون المدرسة الثانوية مغلقة على مختلف التنظيمات الموجودة في الساحة حينذاك, عدا تنظيم (الجبهة القومية. (ويمضي المناضل بن هشان مستطرداً )يمكن أن أقول إن الاتحاد في حضرموت لعب دوراً كبيراً وحقيقية أن كثيراً من الرفاق لم يشيروا في لقاءاتهم الصحفية إلى دور الطلاب ودور المدرسة الثانوية بشكل رئيسي, وكما سبق أن أشرت فإن اتحادنا اتحاد الطلبة الحضارم كان منظمة ترعى مصالح الطلاب وتجمع صفوفهم وضمن اللائحة المصرح لنا فيها بالنشاط كان يمنع علينا ممارسة العمل السياسي ولكن فرضنا أنفسنا من خلال متابعتنا لنشاط الطلاب وقضية المناهج, والعلاقة مع الإدارات المدرسية وتحولنا في الأخير ضمن الإطار السري للجبهة القومية إلى منادين لأفكار ومبادئ الميثاق الوطني للجبهة القومية وأصبح الاتحاد في النهاية من المنادين بكل الأفكار والمبادئ التي يطرحها تنظيم الجبهة القومية. ويخلص إلى القول بأن (الرابطة الطلابية تناوب عليها لجهة الإشراف على نشاطها وتوجيهه, مجموعة من الرفاق ففي البداية كان أحمد بلعفير ثم عباس العيدروس وخالد عبدالعزيز وعبد الرحيم عبد الصادق وعبد الله البار وهؤلاء كانوا أعضاء شعبة تنظيمية وكانوا يتناوبون الإشراف والتوجيه بين فترة وأخرى بوصفهم مسئولين عنا في القطاع الطلابي).